صداقة بين قديسين معاصرين
vيروي لنا أبونا الحبيب القمص جوارجيوس قلته عن صداقة عجيبة تربط بين ثلاثة قديسين معاصرين هم
قداسة البابا كيرلس السادس رجل الصلاة والتسبيح وصاحب موهبة صنع المعجزات، والقمص ميخائيل إبراهيم أب اعتراف البطاركة، والقمص بيشوي كامل مؤسس المدرسة الروحية التي غايتها خلاص النفوس بفكر إنجيلي كنسي حيّ.
vاشترك الثلاثة في سمة الحب الفعّال العملي، المرتبط بروح الاتضاع الحقيقي. كما اتسم جميعهم بالفكر
الكنسي الحيّ، والغيرة على خلاص النفس، والجهاد في حياة الصلاة، مع العطاء بلا حدود وبذل النفس من أجل السيد المسيح.
اشترك الثلاثة في التزامهم بالجهاد بلا توقف في فترات المرض، خاصة وهم على فراش الموت.
فيما يلي بعض القصص تكشف عن صداقتهم مع اتضاعهم العجيب:
vجاء أحد الآباء الكهنة من الصعيد لمقابلة قداسة البابا ونوال بركته، وكان القمص ميخائيل إبراهيم متواجدًا
معه. إذ سأل الكاهن بركة أبينا البطريرك أجاب بكل اتضاع: "أباركك وأبونا ميخائيل موجود؟! خذ البركة من أبينا ميخائيل!"
صـداقة روحية مع اتضاع عجيب! البابا لا يود أن يُبارك في حضرة كاهن قديس!!
كان قداسة البابا إذا ما التقى بأحد زملاء أبينا القمص ميخائيل إبراهيم يقول له: "يا بختك أنت تصلي مع البركة كلها!"
ويروي أبونا جوارجيوس ما حدث معه قبل سيامته كاهنًا.
في يوم الثلاثاء الموافق 9 مارس 1971 علمت وأنا في عملي بانتقال قداسة البابا كيرلس. حزنت ودخلت إلى الكاتدرائية المرقسية، وهناك أخذت بركة مشاهدة جثمانه الطاهر. ثم ذهبت إلى كنيسة مارمرقس بشبرا لخدمة اخوة المسيح المحتاجين في ذلك اليوم. وبينما أنا جالس بمفردي في حجرة الخدمة أفكر في هذا الحدث المفزع، وكان الضيق والحزن يملآن نفسي، لأن أبانا ميخائيل إبراهيم أيضًا داهمته ذبحة قلبية منذ بضعة أيام. ونظرًا لكثرة أبنائه الروحيين منع الأطباء الزيارة إليه مهما كان السبب. ووضعوا إعلانًا على باب بيته يفيد بهذا المعنى. وإذا بحفيد أبينا ميخائيل يطرق باب حجرة الخدمة وينقل إليّ رسالة من أبينا بأنه يريد مقابلتي في أمرٍ هام.
ذهبت إلى بيته القريب من الكنيسة بسرعة، وعندما فتحت ابنته الباب أخبرتني في همس ألا أخبر أبانا بانتقال البابا كيرلس، حتى لا تتأثر صحته بهذا الخبر المؤلم، نظرًا لوجود علاقة محبة قوية بينهما.
دخلت حجرة نومه، وكان يتكلم معي بوداعته المعهودة عن أخبار خدمة اخوة الرب المحتاجين خاصة الطلبة، وطمأنته أن الـرب يرسل إليهم كل احتياجاتهم بلا انقطاع. ثم طلب مني أن أفتح الدولاب، وأخرج منه مظروفًا به كمية من النقود، تبرعات للطلبة المحتاجين قدمها بعض أبناء أبينا لهذا الغرض، وكانت أسماؤهم مكتوبة على المظروف.
وبعد أن كتبت إيصالات بأسماء المتبرعين ووضعتها في الظرف وسلمته لأبينا أردت أن أستأذنه بالانصراف بعد أن أخذت بركته. لكنه طلب مني البقاء معه بعض الوقت للتحدث معي.
جلست وتحدث معي عن بعض أمور الخدمة بالكنيسة، ثم فاجأني بهذه العبارة: "أنت عرفت إن قداسة البابا كيرلس وصـل إلى السماء؟!"
ذُهلت من كلماته، وسألته عمن قال له هذا الخبر؟ وكررت السؤال، لكنه رفض أن يُفصح كيف علم بهذا الخبر. لكنني تأكدت أنه قد شاهد رؤيا معينة رفض أن يخبرني عنها، لأن الحادث لم يمضِ عليه أكثر من أربـع ساعات. ومما زاد من حيرتي أنه أضاف قائلاً: "يا بخته عقبالنا لما نوصل". قال هذا ووجهه مشرق بفرحٍ عجيبٍ.
عندما قلت له وأنا مرتبك: "ربنا يطول لنا في عمرك، إحنا محتاجين إليك، والكنيسة محتاجة إلى خدمتك، ربنا لا يسمح بهذا"، كانت إجابته عجيبة أيضًا، وممتلئة بالإيمان والرجاء.
لقد قال لي: "ما دام يوجد زيت ننير، ولما ينتهي الزيت نذهب إليه، فاهم يا سيدي!"
بعد أن جلست معه بعض الوقت طلب مني وأنا علماني أن أقف وأصلي، فاعتذرت أولاً، وعندما أصرّ صليت وأخذت بركته ودعواته، وانصرفت وأنا مستريح القلب، داعيًا له بطول العمر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق