الأحد، 17 أكتوبر 2010

لن يفتقر من كانت أمه غنية


روى أبونا الحبيب القمص جوارجيوس قلته القصة الواقعية التالية[1]:

جاءت الأم تبكي بمرارة وحيدها الذي كان يعيش بروح التقوى، لكن تسللت إلى حياته سيدة مطلقة. كان يهتم بمشاكلها بدافع الشفقة وعمل الخير، لكن إذ طالت مدة اللقاء التهبت عاطفتهما وتدنست أفكارهما، ووجدت الخطية لها موضعًا في قلبيهما.

انتهز الابن فرصة الأجازة الصيفية وطلب من زوجته أن تأخذ أولادها الصغار ويذهبوا إلى أسرتها لقضاء الأجازة، معتذرًا أنه لا يرافقهم بحجة عدم وجود أجازة لظروف العمل.

في أحد الأيام فتحت الأم شقة ابنها لكي تهيئها له وتُعد له الطعام، ففوجئت بوجود بعض الأشياء المتناثرة في الصالة. خرج الابن من حجرة النوم، وفي هدوء أمسك بيد أمه، وأخرجها خارج شقته، قائلاً لها انه لا يريد مقابلتها الآن. أدركت الأم ماذا يجري في داخل الشقة، وإذ كانت تود خلاص ابنها توسلت إليه أن تدخل، فأغلق الباب في وجهها.

خرجت الأم ودموعها على خديها، وإذ التقت بالبواب قال لها:

"إني حزين على ابنك.

لأنه ترافقه سيدة مطلقة ليست في جمال امرأته.

إنه يقضي معها الليالي!"

حزنت الأم جدًا، ليس من أجل سمعة ابنها، وإنما لأجل هلاك نفسه وضياع أسرته. جاءت الأم إلى أبينا تبكي بدموع وتخبره بأن المياه المسروقة حلوة، وأن ابنها قد زلّت قدماه في الخـطية، وصار ابنًا لإبليس الذي اقتنصه بخداعه. طلبت أن يرافقها أبونا إلى منزله، فذهب معها، لكن إذ رآهما الابن من "العين السحرية" لم يفتح لهما. بقيا حوالي 15 دقيقة يطرقان البـاب، أما هو فلم يستجب لهما… لم يعد أمامهما سوى الصوم والصلاة!

جهاد الأم

كرّر الكاهن زياراته له، لكن عبثًا حاول أن يلتقي معه. أخيرًا طلبت الأم أن يذهب معها. وهناك سألت البواب أن يقرع الباب، وإذ فتح الابن الباب اندفعت الأم إلى داخل الشقة، ووقف الكاهن خـارجًا يقدم له "لقمة بركة". رفض الابن أن يأخذها، وطلب من الكاهن أن يجلس على أحد الكراسي.

فقدت الأم وعْيها، وصارت تصرخ:

"أنت ترفض البركة لأنك تنجست!

لابد لهذه السيدة أن تترك البيت!

حرام عليكِ، ابني متزوج وله أولاد، لماذا تخربي بيته؟"

أما الابن فلطمها بكل عنف على وجهها أمام الكاهن.

تألم الكاهن لهذا المنظر، وأمسك بيد الأم ليُخرجها، أما هي فسقطت على الأرض فاقدة الوعي، وكانت تصرخ باكية:

"تضرب أمك التي ربّتك وعلّمتك وتعبت من أجلك!

تضربني من أجل زانية!"

طلب الكاهن كوب ماء ليقوم بتفويق الأم، وفي هدوء قال للابن: "أنت تضيف على خطاياك خطية إهانة الأم وضربها. خف غضب اللَّه عليك!"

خرج الكاهن مع الأم وهو يعزّيها بأن الصوم والصلاة هما طريق خلاصه من حبال الخطية، وأن غير المستطاع عند الناس مستطاع لدى اللَّه. وطلب منها ألا تخبر أحدًا بما حدث حتى زوجها، بل تصرخ إلى اللَّه.

عاد الكاهن إلى بيته وكانت نفسه مرة، يطلب من اللَّه أن يخلص الابن من هذا الأسر. بعد أيام التقى به في الطريق، فصار يُعاتبه في شيء من الحزم. وكان الابن يستمع إليه في صمتٍ. وأخـيرًا قال له، "صلِّ لكي ينجيني ربنا منها. بعد قليل سأطلب منها أن تبتعد عني، لكن ليس الآن".

أرسلت الأم إلى زوجة ابنها لكي تحضر سريعًا بحجة أن زوجها مريض ومحتاج إلى خدمتها. عرف الابن ذلك، فجاء يشتكي والدته أمام الكاهن بأنها غير حكيمة، وأن حضور الزوجة في ذلك الوقت سيجعل المشكلة أكثر تعقيدًا.

بالفعل جاءت الزوجة لتخدم زوجها المريض، فاستقبلها في غير ترحاب، ولاحظت تغييرًا في أحاديثه وتصرفاته، بل وأدركت اختفاء كثير من أدوات الزينة والعطور من بيتها، فشعرت بالخيانة الزوجية.



أصوام حتى الهزال


في حكمة واتزان جاءت الزوجة تروي لأبينا ما شاهدت وما تشعر به، وكانت تطلب مشورته… لكي تؤكد الزوجة للكاهن خيانة رجلها قدمت رخصة قيادة السيدة المطلقة التي يخطئ معها ومفتاح شقتها وبعض المتعلقات التي وجدتها الزوجة في بيتها.

جاء الزوج يطلب هذه المتعلقات من الكاهن، وفي هدوء بدأ الكاهن يذكّر الرجل بمحبته للَّه الأولى وطهارة ثوبه المقدس، أي جسده، الذي دنسه. كما سأله أن يفكر في زوجته وأولاده… لكن الكاهن شعر بأن الرجل قد انحدر مع الزانية في هوة عميقة (أم2:3؛ 27:23).

جاءت الزوجة تستشير الكاهن بعد أن جلس مع رجلها، فقال لها أن الصوم والصلاة هما وسيلتا نجاة رجلها من طريق الشر. فصممت أن تصوم كل يوم حتى الغروب، وألا تقترب من رجلها حتى يعود بالتوبة إلى اللَّه.

بعد حوالي شهر جاء الرجل إلى الكاهن يتوسل إليه أن تكف الزوجة عن الصوم. فقد ضعف جسدها تمامًا من الصوم، وأنه في طريقه إلى قطع علاقته الخاطئة نهائيًا.

أجابه الكاهن: "أتخاف على صحة زوجتك، ولا تخاف على هلاك نفسك وانهيار بيتك؟!" وطلب منه أن يطلب من اللَّه أن يهبه مخافته قبل أن تستقر عليه عصا التأديب. وختم حديثه معه بقوله تذكر القول الإلهي: "أذكر من أين سقطت وتب، لئلا آتي وأزحزح منارتك".

توبة صادقة

بعد أيام حضر الرجل صلاة عشية، وجلس في الصف الأخير مطأطأ الرأس، ثم جاء إلى الكاهن يعترف بخطاياه بدموعٍ، ويطلب الصلاة من أجله، وأن يسمح له بالتناول من الأسرار المقدسة لكي تسنده. كان حب اللَّه واضحًا قدام عينيه، هذا الذي تجلى أيضًا في أصوام زوجته حتى كادت أن ينحل جسدها، وفي دموع أمه واحتمالها الألم من أجل خلاص نفسه. لقد طـلب أن يُوقع عليه تأديب لكي يشعر بمرارة خطيته.

حاولت المرأة الشريرة أن تجتذبه إلى الخطية تارة بالإغراءات وأخرى بالتهديدات، لكن اهتمامه بخلاص نفسه ورجاءه في اللَّه مخلصه، مع الصوم والصلاة كان سندًا له.

بعد فترة جاء يتمتع بالتناول من الأسرار المقدسة، وكانت يده مكسورة. إذ سأله الكاهن عن سبب كسر يده أجاب:

"منذ يومين إذ كنت في طريق عملي صباحًا، كنت أسير بسرعة، وإذ اقتربت من أحد الميادين حاولت أن أضغط على الفرامل، لكن السيارة اندفعت نحو الرصيف، واصطدمت بشجرة، وانكسر ساعدي الأيمن.

هذا تأديب إلهي، فإن الذراع التي امتدت لتصفع أمي قد انكسرت.

لقد وجدت أن أنبوبة زيت الفرامل مقطوعة عمدًا، وقد انسكب زيت الفرامل…

لقد عرفت من الذي صنع هذا. لكن هي إرادة اللَّه الذي أراد أن يؤدبني!"

عاد السلام إلى أسرته، وسافر الرجل وزوجته وأولاده إلى الخارج، أما والدته فكانت تسبح اللَّه الذي استجاب لدموعها وصلواتها.

بعد أسابيع من سفر الأسرة إلى الخارج أُصيبت الأم بمرض لم يمهلها سوى أسبوعين لتنتقل مونيكا الثانية متهللة بخلاص ابنها.

عاد الابن يبكي والدته وهو يقول: "لن أنسى محبتها وتضحياتها، وكلماتها التي تتردد في داخلي: أُذكر محبتك الأولى لسيدك

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق