كتاب السيدة العذراء مريم - البابا شنودة الثالث
ما أكثر التمجيدات والتأملات، التي وردت عن العذراء في كتب الآباء.. وما أمجد الألقاب، التي تلقبها بها الكنيسة مستوحاة من روح الكتاب...
صورة العذراء مريم أمناإنها أمنا كلنا، وسيدتنا كلنا، وفخر جنسنا، الملكة القائمة عن يمين الملك، العذراء الدائمة البتولية، الطاهرة، المملوءة نعمة، القديسة مريم، الأم القادرة المعينة الرحيمة، أم النور، أم الرحمة والخلاص، الكرمة الحقانية.
هذه التي ترفعها الكنيسة فوق مرتبة رؤساء الملائكة فنقول عنها في تسابيحها وألحانها:
علوتِ يا مريم فوق الشاربيم، وسموت يا مريم فوق السرافيم.
مريم التي تربت في الهيكل، وعاشت حياة الصلاة والتأمل منذ طفولتها، وكانت الإناء المقدس الذي اختاره الرب للحلول فيه.
أجيال طويلة انتظرت ميلاد هذه العذراء، لكي يتم بها ملء الزمان (غل 4: 4)...
هذه التي أزالت عار حواء، وأنقذت سمعة المرأة بعد الخطية. . إنها والدة الإله، دائمة البتولية.
إنها العذراء التي أتت إلى بلادنا أثناء طفولة المسيح، أقامت في أرضنا سنوات، قدستها خلالها، وباركتها...
وهى العذراء التي ظهرت في الزيتون منذ أعواماً قريبة (1968)، وجذبت إليها مشاعر الجماهير، بنورها، وظهورها، وافتقادها لنا...
وهي العذراء التي تجري معجزات في أماكن عديدة، نعيد لها فيها، وقصص معجزاتها هذه لا تدخل تحت حصر...
إن العذراء ليست غريبة علينا، فقد اختلطت بمشاعر الأقباط في عمق، خرج من العقيدة إلى الخبرة الخاصة والعاطفة. ما أعظمه شرفًا لبلادنا وكنيستنا أن تزورها السيدة العذراء في الماضي، وأن تتراءى على قبابها منذ سنين طويلة.
لم توجد إنسانة أحبها الناس في المسيحية مثل السيدة العذراء مريم.
في مصر، غالبية الكنائس تحتفل بعيدها.
وفي الطقوس، ما أكثر المدائح والتراتيل، والتماجيد والأبصاليات والذكصولوجيات الخاصة بها، و بخاصة في شهر كيهك. ولها عند أخوتنا الكاثوليك شهر يسمى الشهر المريمي...
وفي أديرة الرهبان في مصر يوجد على اسمها: دير البراموس، ودير السريان، ودير المحرق، أي ربع الأديرة الحالية (التسعينات من القرن العشرون).
ويوجد دير للراهبات على اسمها في حارة زويلة بالقاهرة. وما أكثر الأديرة والمدارس التي على اسمها في كنائس الغرب.
أقدم كنيسة بنيت على اسم العذارء في العصر الرسولي هى كنيسة فيلبي (21 بؤونة).
وأقدم كنيسة بنيت على اسمها في مصر، كانت في عهد البابا ثاؤنا البطريرك 16 (سنة274 م).
ومن أشهر كنائسها، كنيسة دير المحرق التي دشنت في عهد البابا ثاؤفيلس (23) في بداية القرن الخامس (6 هاتور).
وكذلك الكنائس التي بنيت في الأماكن التي زارتها في مصر.
وبهذه المناسبة توجد لنا كنيستان في أوروبا باسم "عذراء الزيتون". إحداهما في فرنسا والثانية في فينا.
"هوذا منذ الآن جميع الأجيال تطوبني" (لو1: 46).
و العذراء تلقبها الكنيسة بالملكة وفي ذلك أشار عنها المزمور (45: 9) "قامت الملكة عن يمين الملك"...
صورة القديسة مريم العذراءولذلك فإن كثيرًا من الفنانين، حينما يرسمون صورة العذراء يضعون تاجًا على رأسها، وتبدو في الصورة عن يمين السيد المسيح.
ويبدو تبجيل العذراء في تحية الملاك جبرائيل لها "السلام لك أيتها الممتلئة نعمة. الرب معك. مباركة أنت في النساء" (لو1 : 28 أى ببركة خاصة، شهدت بها أيضًا القديسة أليصابات، التي صرخت بصوت عظيم وقالت لها مباركة أنت في النساء، ومباركة هي ثمرة بطنك" (لو1: 42).
أمام عظمة العذراء تصاغرت القديسة أليصابات في عيني نفسها، وقالت في شعور بعدم الاستحقاق. مع أن أليصابات كانت تعرف أن إبنها سيكون عظيمًا أمام الرب، وأنه يأتي بروح إيليا وقوته (لو1: 15، 17).
"من أين لي أن تأتي أم ربي إلىّ" (لو1: 43).
ولعل من أوضح الأدلة على عظمة العذراء، ومكانتها لدى الرب، أنه بمجرد وصول سلامها إلى أليصابات، امتلأت أليصابات من الروح القدس، وأحس جنينها فارتكض بابتهاج في بطنها. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات و الكتب الأخرى). وفي ذلك يقول الحي الإلهي:
"فلما سمعت أليصابات سلام مريم، ارتكض الجنين في بطنها، وامتلأت أليصابات من الروح القدس" (لو1: 41).
إنها حقًا عظمة مذهلة، أن مجرد سلامها يجعل أليصابات تمتليء من الروح القدس! مَنْ من القديسين، تسبب سلامه في أن يمتليء غيره من الروح القدس؟! ولكن هوذا أليصابات تشهد وتقول "هوذا حين صار صوت سلامك في أذني، ارتكض الجنين بابتهاج في بطني".
امتلأت أليصابات من الروح القدس بسلام مريم، وأيضًا نالت موهبة النبوة والكشف:
فعرفت أن هذه هى أم ربها، وأنها "آمنت بما قيل لها من قبل الرب" كما عرفت أن ارتكاض الجنين، كان عن "ابتهاج". وهذا الابتهاج طبعًا بسبب المبارك الذي في بطن العذراء "مباركة هى ثمرة بطنك" (لو1: 41- 45) عظمة العذراء تتجلى في اختيار الرب لها، من بين كل نساء العالم...
الإنسانة الوحيدة التي انتظر التدبير الإلهي آلاف السنين، حتى وجدها، ورآها مستحقة لهذا الشرف العظيم الذي شرحه الملاك جبرائيل بقوله "الروح القدس يحل عليك، وقوة العلي تظللك. فلذلك أيضًا القدوس المولود منك يدعى ابن الله" (لو1: 35).
العذراء في عظمتها، تفوق جميع النساء:
لهذا قال عنها الوحي الإلهي "بنات كثيرات عملن فضلاً. أما أنت ففقت عليهن جميعًا" (أم31: 39). ولعله من هذا النص الإلهي، أخذت مديحة الكنيسة "نساء كثيرات نلن كرامات. ولم تنل مثلك واحدة منهن"...
هذه العذراء القديسة، كانت في فكر الله وفي تدبيره، منذ البدء.
ففي الخلاص الذي وعد به أبوينا الأولين، قال لهما إن "نسل المرأة يسحق رأس الحية" (تك3: 15). هذه المرأة هي العذراء، ونسلها هو المسيح، الذي سحق رأس الحية، على الصليب...
• معجزة خطوبتها، بطريقة إلهية حددت الذي يأخذها ويرعاها.
• معجزة في حبلها بالمسيح وهي عذراء مع استمرار بتوليتها بعد الولادة.
• معجزة في زيارتها لأليصابات، التي لما سمعت صوت سلامها، ارتكض الجنين بابتهاج في بطنها وامتلأت بالروح القدس.
• معجزات لا تدخل تحت حصر أثناء زياراتها لأرض مصر، منها سقوط الأصنام (أش19: 1).
• أول معجزة أجراها الرب في قانا الجليل كانت بطلبها.
• معجزة حل الحديد وإنقاذ متياس الرسول، كانت بواسطتها.
• معجزة استلام المسيح لروحها، ساعة وفاتها.
• معجزة ضرب الرب لليهود لما أرادوا الاعتداء على جثمانها بعد وفاتها.
• معجزة صعود جسدها إلى السماء
• المعجزات التي تمت على يديها في كل مكان، وضعت فيها كتب.
• ظهورها في أماكن متعددة وبخاصة ظهورها العجيب في كنيستنا بالزيتون، وفي بابادبلو.
ومازالت المعجزات مستمرة في كل مكان، وستستمر شهادة لكرامة هذه القديسة.
صورة أيقونة قبطية حديثة تصور القديسة مريم الثيؤطوكوسيعد له برنامج روحي، لعظات كل يوم، وقداسات يومية أيضًا في بعض الكنائس، حتى الكنائس التي لا تحمل اسم العذراء.
ويقام عيد كبير للسيدة العذراء في كنيستها الأثرية بمسطرد.
بل تقام أعياد لقديسين آخرين في هذه الأيام أيضًا:
فعيد القديس مارجرجس في دير ميت دمسيس يكون في النصف الثاني من أغسطس، وكذلك عيد القديس أبا مقار الكبير. وعيد القديس مارجرجس في ديره بالرزيقات.
وفي نفس صوم العذراء نحتفل بأعياد قديسات مشهورات:
مثل القديسة بائيسة (2 مسرى: 8 أغسطس)، والقديسة يوليطة (6 مسرى: 12 أغسطس) والقديسة مارينا (15 مسرى: 21 أغسطس) بل أثناء صوم العذراء أيضًا نحتفل بعيد التجلي المجيد يوم 13 مسرى (19 أغسطس).
وفي نفس الشهر (7 مسرى: 13 أغسطس) تذكار بشارة الملاك جبرائيل للقديس يواقيم بميلاد مريم البتول.
إن صوم العذراء ليس هو المناسبة الوحيدة التي تحتفل فيها الكنيسة بأعياد العذراء، وإنما يوجد بالأكثر شهر كيهك الذي يحفل بمدائح وتماجيد وابصاليات للعذراء مريم القديسة.
وصوم العذراء يهتم به الأقباط في مصر، وبخاصة السيدات، اهتمامًا يفوق الوصف.
كثيرون يصومونه (بالماء والملح) أي بدون زيت... وكثيرون يضيفون عليه أسبوعًا ثالثًا كنوع من النذر. ويوجد أيضًا من ينذر أن يصوم انقطاعًا حتى ظهور النجوم في السماء...
فما السر وراء هذا الاهتمام؟
أولاً: محبة الأقباط للعذراء التي زارت بلادهم وباركتها، وتركت آثاراً لها في مواضع متعددة في كنائس.
ثانيًا: كثرة المعجزات التي حدثت في مصر بشفاعة السيدة العذراء، مما جعل الكثرين يستبشرون ببناء كنيسة على اسمها.
ولعل ظهور العذراء في كنيستها بالزيتون وما صحب هذا الظهور من معجزات، قد أزاد تعلق الأقباط بالعذراء، وبالصوم الذي يحمل اسمها.
لكن القديسة العذراء لها أعياد كثيرة جدًا، منها:
صورة أيقونة أثرية في مخطوطة تصور القديسة حنة والدة العذراء مريم • عيد البشارة بميلادها:
وهو يوم 7 مسرى، حيث بشر ملاك الرب أباها يواقيم بميلادها، ففرح بذلك هو وأمها حنة، ونذراها للرب.
• عيد ميلاد العذراء:
وتعيد له الكنيسة في أول بشنس.
• عيد دخولها الهيكل:
وتعيد له الكنيسة يوم 3 كيهك. وهو اليوم الذي دخلت فيه لتتعبد في الهيكل في الدار المخصصة للعذارى.
• عيد مجيئها إلى مصر:
ومعها السيد المسيح ويوسف النجار. وتعيد له الكنيسة يوم 24 بشنس.
• عيد نياحة العذراء:
وهو يوم 21 طوبة، وتذكر فيه الكنيسة أيضًا المعجزات التي تمت في ذلك اليوم. . وكان حولها الآباء الرسل ما عدا القديس توما الذي كان وقتذاك يبشر في الهند.
• العيد الشهري للعذراء:
وهو يوم 21 من كل شهر قبطي، تذكارًا لنياحتها في 21 طوبة
• عيد صعود جسدها إلى السماء
وتعيد له الكنيسة يوم 16 مسرى، الذي يوافق 22 من أغسطس، ويسبقه صوم العذراء (15 يومًا).
• عيد معجزتها (حالة الحديد):
وهو يوم 21 بؤونة. ونذكر فيه معجزتها في حلّ أسر القديس متياس ومن معه بحلّ الحديد الذي قيدوا به.
ونعيد أيضًا لبناء أول كنيسة على أسمها في فليبي.
وكل هذه الأعياد لها في طقس الكنيسة ألحان خاصة وذكصولجيات، تشمل في طياتها الكثير من النبوءات والرموز الخاصة بها في العهد القديم.
• عيد ظهورها في الزيتون:
على قباب كنيسة العذراء. وكان ذلك يوم 2 أبريل سنة 1968 واستمر مدى سنوات. ويوافق 24 برمهات تقريبًا.
وبالإضافة إلى كل هذا، نحتفل طول شهر كيهك (من ثلث شهر ديسمبر إلى 7 يناير) بتسابيح كلها عن كرامة السيدة العذراء.
الكنيسة القبطية الأرثوذكسية تكرم السيدة العذراء الإكرام اللائق بها، دون مبالغة، ودون إقلال من شأنها.
• فهي في اعتقاد الكنيسة "والدة الإله" (ثيئوطوكوس).
صورة القديسة مريم والدة الإله الثيوتوكوسوليست والدة (يسوع) كما ادعى النساطرة، الذين حاربهم القديس كيرلس الأسكندري، وحرمهم مجمع أفسس المسكوني المقدس.
• والكنيسة تؤمن أن الروح القدس قد قدس مستودع العذراء أثناء الحبل بالمسيح.
وذلك كما قال لها الملاك "الروح القدس يحل عليك، وقوة العلي تظللك. لذلك القدوس المولود منك يدعى ابن الله".
وتقديس الروح القدس لمستودعها، يجعل المولود منها يحبل به بلا دنس الخطية الأصلية. أما العذراء نفسها، فقد حبلت بها أمها كسائر الناس، وهكذا قالت العذراء في تسبحتها "تبتهج روحي بالله مخلصي" (لو1: 47).
لذلك لا توافق الكنيسة على أن العذراء حبل بها بلا دنس الخطية الأصلية كما يؤمن أخوتنا الكاثوليك.
• وتؤمن الكنيسة بشفاعة السيدة العذراء.
وتضع شفاعتها قبل الملائكة ورؤساء الملائكة، فهي والدة الإله، وهي الملكة القائمة عن يمين الملك.
. والكتاب يلقب العذراء بأنها "الممتلئة نعمة"
وللأسف فإن الترجمة البيروتية- إقلالا من شأن العذراء- تترجم هذا اللقب بعبارة "المُنعم عليها"..
وكل البشر مُنعم عليهم، أما العذراء فهى الممتلئة نعمة.. . على أن النعمة لا تعني العصمة.
. والكنيسة تؤمن بدوام بتولية العذراء:
ولا يشذ عن هذه القاعدة سوى أخوتنا البروتستانت.
الذين ينادون بأن العذراء أنجبت بنين بعد المسيح.
. وتؤمن الكنيسة بصعود جسد العذراء إلى السماء،وتعيد له في 16 مسرى
.
• نلقبها بالملكة: القائمة عن يمين الملك.
ونذكر في ذلك قول المزمور "قامت الملكة عن يمينك أيها الملك" (مز45: 9). ولذلك دائمًا ترسم في أيقونتها على يمين السيد المسيح. ونقول عنها في القداس الإلهي "سيدتنا وملكتنا كلنا..".
• نقول عنها أيضًا "أمنا القديسة العذراء"
وفي ذلك قول السيد المسيح وهو على الصليب لتلميذه القديس يوحنا الحبيب "هذه أمك" (يو19: 27).
• وتشبه العذراء أيضًا بسلم يعقوب:
تلك التي كانت واصلة بين الأرض والسماء (تك28: 12). وهذا رمز للعذراء التي بولادتها للمسيح، أوصلت سكان الأرض إلى السماء.
• وقد لقبت العذراء أيضًا بالعروس:
لأنها العروس الحقيقية لرب المجد. وتحقق فيها قول الرب لها في المزمور"..
اسمعي يا ابنتي وانظري، واميلي أذنك، وانسي شعبك وبيت أبيك. . فإن الملك قد اشتهى حسنك، لأنه ربك وله تسجدين" (مز84). ولذلك لقبت بصديقة سليمان، أي عذراء النشيد.
وقيل عنها في نفس المزمور "كل مجد ابنة ملك من داخل، مشتملة بأطراف موشاة بالذهب مزينة بأنواع كثيرة".
• ونلقبها أيضًا بلقب الحمامة الحسنة:
متذكرين الحمامة الحسنة التي حملت لأبينا نوح غصنًا من الزيتون، رمزًا للسلام، تحمل إليه بشرى الخلاص من مياه الطوفان.. (تك8: 11). وبهذا اللقب يبخر الكاهن لأيقونتها وهو خارج من الهيكل. وهو يقول "السلام لك أيتها العذراء مريم الحمامة الحسنة".
والعذراء تشبه بالحمامة في بساطتها وطهرها وعمل الروح القدس فيها، وتشبه الحمامة التي حملت بشرى الخلاص بعد الطوفان، لأنها حملت بشرى الخلاص بالمسيح.
• وتشبه العذراء أيضًا بالسحابة:
لارتفاعها من جهة، ولأنه هكذا شبهتها النبوة في مجيئها إلى مصر. نورد عن ذلك في سفر أشعياء النبي:
"وحي من جهة مصر: هوذا الرب راكب على سحابة سريعة وقادم إلى مصر. فترتجف أوثان مصر. ويذوب قلب مصر داخلها" (أش19: 1). وعبارة سحابة ترمز إلى ارتفاعها.
وترمز إلى الرب الذي يجيء على السحاب (مت 16: 27).
أى "والدة الله". وهذا اللقب الذي أطلقه عليها المجمع المسكوني المقدس المنعقد في أفسس سنة 431م. وهو اللقب الذي تمسك به القديس كيرلس الكبير ردًا على نسطور..
وبهذا اللقب "أم ربي" خاطبتها القديسة أليصابات (لو4: 43).
ومن ألقابها أيضًا المجمرة الذهب.
ونسميها (تي شوري) أي المجمرة بالقبطية. وأحيانًا شورية هارون... أما الجمر الذي في داخلها، ففيه الفحم يرمز إلى ناسوت المسيح، والنار ترمز إلى لاهوته، كما قيل في الكتاب "إلهنا نار آكلة" (عب12: 29).
فالمجمرة ترمز إلى بطن العذراء الذي فيه كان اللاهوت متحدًا بالناسوت. وكون المجمرة من ذهب، فهذا يدل على عظمة العذراء ونقاوتها. ونظرًا لطهارة العذراء وقدسيتها، فإن العذراء نسميها في ألحانها المجمرة الذهب.
وتلقب العذراء أيضًا بالسماء الثانية:
لأنه كما أن السماء هي مسكن الله، هكذا كانت العذراء مريم أثناء الحمل المقدس مسكنًا لله.
وتلقب العذراء كذلك بمدينة الله:
وتحقق فيها النبوءة التي في المزمور "أعمال مجيدة قد قيلت عنك يا مدينة الله" (مز86)، أو يقال عنها "مدينة الملك العظيم" أو تتحقق فيها نبوءات معينة قد قيلت عن أورشليم. . أو صهيون كما قيل أيضًا في المزمور "صهيون الأم تقول إن إنسانًا صار فيها، وهو العلي الذي أسسها.." (مز87).
وبهذه الصفة لقبت بالكرمة التي وجد فيها عنقود الحياة:
أي السيد المسيح. وبهذا اللقب تتشفع بها الكنيسة في صلاة الساعة الثالثة، وتقول لها "يا والدة الإله، أنت هي الكرمة الحقانية الحاملة عنقود الحياة"...
وبصفة هذه الأمومة لها ألقاب أخرى منها:
• أم النور الحقيقي، على اعتبار أن السيد المسيح قيل عنه إنه "النور الحقيقي الذي ينير كل إنسان" (يو1: 9)
وبنفس الوضع لقبت بالمنارة الذهبية لأنها تحمل النور. وأيضًا:
• أم القدوس. على اعتبار أن الملاك حينما بشرها بميلاد المسيح قال لها".. لذلك القدوس المولود منك يدعى ابن الله" (لو1: 35).
• أم المخلص، لأن السيد المسيح هو مخلص العالم. وقد دعى اسمه يسوع لأنه يخلص شعبه من خطاياهم (مت1: 21).
ومن رموزها أيضًا العليقة التي رآها موسى النبي:
(خر3: 2). ونقول في المديحة "العليقة التي رآها موسى النبي في البرية، مثال أم النور طوبها حملت جمر اللاهوتية، تسعة أشهر في أحشاها ولم تمسسها بأذية". فالسيد الرب قيل عنه إنه "نار آكلة" (عب12: 29) ترمز إليه النار التي تشتعل داخل العليقة. والعليقة ترمز للقديسة العذراء.
فقد كان يحفظ فيه "قسط من الذهب فيه المن، وعصا هرون التي أفرخت" (عب9: 4). ولوحا الشريعة (رمزًا لكلمة الله المتجسد).
صورة لوحة العذراء والملائكة، الفنان وليام بوجارو، 1900- وهكذا تشبه العذراء أيضًا بقسط المن:
لأن المن كان رمزًا للسيد المسيح باعتباره الخبز الحي الذي نزل من السماء، كل من يأكله يحيا به، أو هو أيضًا خبز الحياة (يو6: 32، 48، 49). ومادام السيد المسيح يشبه بالمن، فيمكن إذن تشبيه العذراء بقسط المن، الذي حمل هذا الخبز السماوي داخله.
وتشبه العذراء أيضًا بعصا هرون التي أفرخت:
أي ازهرت وحملت براعم الحياة بمعجزة (عد17: 7-8 مع أن العصا أصلاً لا حياة فيها يمكن أن تفرخ زهرًا وثمرًا. وذلك يرمز لبتولية العذراء التي ما كان ممكنًا أن تفرخ أي تنتج نسلاً. إنما ولدت بمعجزة. ورد الوصف في ابصالية الأحد.
خيمة الاجتماع (قبة موسى):
خيمة الاجتماع، كان يحل فيها الرب، والعذراء حل فيها الرب. وفي الأمرين أظهر الله محبته لشعبه. . وهكذا نقول في الأبصلمودية "القبة التي صنعها موسى على جبل سيناء، شبهوك بها يا مريم العذراء.. التي الله داخلها".
وتشبه العذراء بالباب الذي في المشرق:
ذلك الذي رآه حزقيال النبي وقال عنه الرب " هذا الباب يكون مغلقًا، لا يفتح ولا يدخل منه انسان. لأن الرب إله إسرائيل دخل منه فيكون مغلقًا" (حز44: 1، 2). وهذا الباب الذي في الشرق، رأى عنده النبي مجد الرب، وقد ملأ البيت (حز43: 2، 4، 5).
وهذا يرمز إلى بتولية العذراء، التي كانت من بلاد المشرق. وكيف أن هذه البتولية ظلت مختومة.
ولأنها هذا الباب الذي في المشرق، وصفت بأنها:
باب الحياة- باب الخلاص:
السيدة العذراء قيل عنها في سفر حزقيال إنها الباب الذي دخل منه رب المجد وخرج (حز44: 2).
فإذا كان الرب هو الحياة، تكون هي باب الحياة. وقد قال الرب أنا هو القيامة والحياة" (يو11: 25). لذلك تكون العذراء هي باب الحياة. الباب الذي خرج منه الرب مانحًا حياة لكل المؤمنين به...
وإذا كان الرب هو الخلاص، إذ جاء خلاصًا للعالم، يخلص ما قد هلك (لو19: 10)، حينئذ تكون العذراء هي باب الخلاص.
وليس غريبًا أن تلقب العذراء بالباب، فالكنيسة أيضًا لقبت باب وقال أبونا يعقوب عن بيت إيل "ما أرهب هذا المكان. ما هذا إلا بيت الله، وهذا باب السماء" (تك 28: 17).
شبهت أيضًا بقدس الأقداس:
هذا الذي كان يدخله رئيس الكهنة مرة واحدة كل سنة، ليصنع تكفيرًا عن الشعب كله. ومريم العذراء حل في داخلها رب المجد مرة واحدة لأجل فداء العالم كله.
كان لابد أن يولد من إنسانة متضعة، تستطيع أن تحتمل مجد التجسد الإلهي منها... مجد حلول الروح القدس فيها... ومجد ميلاد الرب منها، ومجد جميع الأجيال التي تطوبها واتضاع أليصابات أمامها قائلة لها "من أين لي هذا أن تأتي أم ربي إلىّ.." (لو1: 48، 43). كما تحتمل كل ظهورات الملائكة، وسجود المجوس أمام إبنها. والمعجزات الكثيرة التي حدثت من ابنها في أرض مصر، بل نور هذا الابن في حضنها.
لذلك كان "ملء الزمان" (غل4: 4) ينتظر هذه الإنسانة التي يولد ابن الله منها.
وقد ظهر الاتضاع في حياتها كما سنرى:
بشرها الملاك بأنها ستصير أمًا للرب، ولكنها قالت "هوذا أنا أمة الرب" (لو1: 38) أي عبدته وجاريته. والمجد الذي أعطي لها لم ينقص إطلاقًا من تواضعها.
بل أنه من أجل هذا التواضع، منحها الله هذا المجد، إذ "نظر إلى اتضاع أمته" فصنع بها عجائب (لو1: 48، 49).
• ظهر اتضاع العذراء أيضًا في ذهابها إلى أليصابات لكيما تخدمها في فترة حبلها. فما أن سمعت أنها حُبلى- وهي في الشهر السادس- حتى سافرت إليها في رحلة شاقة عبر الجبال. وبقيت عندها ثلاثة أشهر، حتى تمت أيامها لتلد (لو39: 1- 65). فعلت ذلك وهي حبلى برب المجد.
• ومن اتضاعها عدم حديثها عن أمجاد التجسد الإلهي.
• وكانت تريد أن تعيش بلا زواج فأمروها أن تعيش في كنف رجل حسبما تقضي التقاليد في أيامها..
• فلم تحتج وقبلت المعيشة في كنف رجل، مثلما قبلت الخروج من الهيكل...
• كانت تحيا حياة التسليم، لا تعترض: ولا تقاوم، ولا تحتج.
بل تسلم لمشيئة الله في هدوء، بدون جدال.
• كانت قد صممت على حياة البتولية، ولم تفكر إطلاقًا في يوم من الأيام أن تصير أمًا. ولما أراد الله أن تكون أمًا، بحلول الروح القدس عليها (لو1: 35) لم تجادل، بل أجابت بعبارتها الخالدة "هوذا أنا أمة الرب. . ليكن لي كقولك".. لذلك وهبها الله الأمومة، واستبقى لها البتولية أيضًا، وصارت أمًا، الأمر الذي لم تفكر فيه إطلاقًا.. بالتسليم، صارت أمًا للرب.. بل أعظم الأمهات قدرًا.
• وأمرت أن تهرب إلى مصر، فهربت.
وأمرت أن ترجع من مصر، فرجعت. وأمرت أن تنتقل موطنها من بيت لحم وتسكن الناصرة، فانتقلت وسكنت.
كانت إنسانة هادئة، تحيا حياة التسليم، بلا جدال. لذلك فإن القدير صنع بها عجائب... إذ نظر إلى اتضاع أمته.
ولما ولدت ابنها الوحيد، لم يكن لها موضع في البيت، فأضجعته في مزود (لو1: 7). واحتملت ذلك أيضًا.. واحتملت المسئولية وهي صغيرة السن. واحتملت المجد العظيم الذي أحاط بها، دون أن تتعبها أفكار العظمة.
لم يكن ممكنًا أن تصرح بأنها ولدت وهي عذراء، فصمتت واحتملت ذلك.
احتملت السفر الشاق إلى مصر ذهابًا وإيابًا. واحتملت طردهم لها هناك من مدينة إلى أخرى، بسبب سقوط الأصنام أمام المسيح (أش19: 1). احتملت الغربة والفقر. احتملت أن "يجوز في نفسها سيف" (لو2: 35) بسبب ما لقاه ابنها من اضطهادات وإهانات، وأخيرًا آلام وعار الصلب...
لم تكتف العذراء- سلبيًا بالآحتمال- بل عاشت في الفرح بالرب.
كما قالت في تسبحتها "تبتهج روحي بالله مخلصي" (لو1: 47).
وفي تهديد ابنها بالقتل من هيرودس، وفي الهروب إلى مصر، وفي ما لاقاه من اضطهاد اليهود، لم تقل وأين البشارة بأنه يجلس على كرسي داود أبيه، يملك.. ولا يكون لملكه نهاية" (لو1: 31، 33)!
بل صبرت.
وكما قالت عنها أليصابات "آمنت بأن يتم لها ما قيل من قبل الرب" (لو1: 45).
آمنت بأنها ستلد وهى عذراء.
وتحقق لها ذلك.
آمنت بأن "القدوس المولود هو ابن الله" (لو1: 35).
على الرغم من ميلاده في مزود.
وتحقق لها ما آمنت به. . عن طريق ما رأته من رؤى ومن ملائكة، ومن معجزات تمت على يديه.
آمنت بكل هذا على الرغم من كل ما تعرض له من اضطهادات...
آمنت به وهو مصلوب.
فرأته بعد أن قام من الأموات.
وفي الهيكل تعلمت حياة الوحدة والصمت، وأن تنشغل بالصلاة والتأمل. وإذ فقدت محبة وحنان والديها، انشغلت بمحبة الله وحده. وهكذا عكفت على الصلاة والتسبحة وقراءة الكتاب المقدس، وحفظ الكثير من آياته، وحفظ المزامير. ولعل تسبحتها في بيت أليصابات دليل واضح على ذلك. فغالبية كلماتها مأخوذة من المزامير وآيات الكتاب.
وصار الصمت من مميزات روحياتها. فعلى الرغم من أنها في أحداث الميلاد: رأت أشياء عجيبة ربما تفوق سنها كفتاه صغيرة، وما أحاط بها من معجزات، ومن أقوال الملائكة والرعاه والمجوس ... . فلم تتحدث مفتخرة بأمجاد الميلاد، بل "كانت تحفظ جميع هذا الكلام متفكرة به في قلبها" (لو 2 : 19)
إن العذراء الصامته المتأمله، درس لنا:
فليتنا مثلها: نتأمل كثيرا، ونتحدث قليلا .
على إني أرى، إنه لما حان الوقت أن تتكلم، صارت مصدرًا للتقليد الكنسي، في بعض الأخبار التي عرفها منها الرسل وكتبوا الأناجيل، عن المعجزات والأخبار أثناء الهروب من مصر، وعن حديث المسيح وسط المعلمين في الهيكل وهو صغير (لو3 :46 ،4
من فضائلها أيضا قداستها الشخصية، وعفتها وبتوليتها، ومعرفتها الروحية، وخدمتها للآخرين. وأمومتها الروحية للآباء الرسل.
ويعوزنا الوقت أن نتحدث عن كل فضائلها....
وردت في ألحان الكنيسة، وفي التسبحة، في التذاكيات والمدائح وفي الذكصولوجيات، في كل يوم من أيام أعيادها، وفي الأبصلمودية الكيهكية، وفي تراتيل الكنيسة، وفي الأبصلمودية.
وتذكرها الكنيسة في مجمع القديسين قبل رؤساء الملائكة، وهكذا في كل تشفعاتها. والكنيسة في تطويب السيدة العذراء، إنما تحقق النبوة التي قالتها في تسبحتها:
"هوذا منذ الآن جميع الأجيال تطوبني" (لو1 :48 )
والكنيسة تقدم لها بخوراً، وتقدم لها السلام. وما أكثر التسابيح التي تبدأ بعبارة "السلام لمريم" (شيري ني ماريا) أو التسابيح التي يبدأ بعبارة "افرحي يا مريم".
أو التسبحة التي يحرك فيها داود النبي الأوتار العشرة في قيثارته، وفي كل وتر يذكر تطويبًا لها.
نذكرها في الأجبية ونذكرها في القداس وفي كل كتب الكنيسة:
نذكرها في السنكسار، وفي الدفنار، وفي القطمارس، وفي الأبصلمودية، وفي كتب المردات والألحان..
في صلوات الأجبية، نذكرها في القطعة الثالثة في كل ساعة من ساعات النهار متشفعين بها .
ونذكرها في قانون الإيمان، إذ نقول في مقدمته:
"نعظمك يا أم النور الحقيقي ونمجدك أيتها العذراء القديسة والدة الإله.."
نذكرها في صلاة البركة، أولها وآخرها.
فنبدأ البركة "بالصلوات والتضرعات والابتهالات التي ترفعها عنا كل حين والدة الإله القديسة الطاهرة مريم".
وبعد أن نذكر أسماء الملائكة والرسل والأنبياء والشهداء وجميع القديسين، نختم بها البركة فنقول:
"وبركة العذراء أولاً وأخرًا".
• ففي الأيقونات لابد أن تظهر مع المسيح باعتبارها والدة الإله.
• وتكون عن يمينه، إذ قيل في المزمور "قامت الملكة عن يمينك أيها الملك" (مز 45: 9).
• ولأنها ملكة يكون على رأسها تاج، وكذلك المسيح.
• وكقديسة يكون حول رأسها هالة من نور، إذ قال الرب "أنتم نور العالم" (مت 5: 14).
• ولأنها السماء الثانية يوجد حولها نجوم وملائكة وسحاب
اشفعي فينا أيتها العذراء القديسة، ليشملنا الرب برحمته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق