موت الصليب
إلهي إلهي لماذا تركتني؟
(مز22: 1)
مَنْ في قدرته أن يصف آلام ابن الله حينما سكب للموت نفسه؟ لِما نطق قلبه الحزين بهذا الصراخ المُرّ « إلهي إلهي لماذا تركتني ». رسول أسلمه وآخر أنكره، وكل تلاميذه تركوه وهربوا. الله تحوَّل عنه والإنسان سخر منه وازدراه وبصق في وجهه وجلده وأحط من مقامه بأن جعله في عداد المجرمين. الظلام غطى وجه الأرض ساعات ثلاثاً وأمسى الإنسان - يسوع المسيح - الطاهر الكامل متروكاً من الله، من ثمّ صرخ « إلهي إلهي لماذا تركتني؟ »
لم يُسمع صراخ مثل هذا من قبل ولن يُسمع في ما بعد، لأن الله لا يترك إنساناً يستطيع أن يقول بحق « إلهي ». وفي المستقبل حينما يُترك الهالكون ويُطردون من حضرة الله، لا يقدر أن يقول أحدهم صدقاً « إلهي ». والعجب في هذا الصراخ على الصليب، أن الذي استطاع أن يقول في كمال الإيمان والمحبة « إلهي » هو الذي تُرك من الله.
وكإنسان استطاع أن يقول ليهوه « أنت إلهي » مع أنه مُعادل لله وهو الابن الوحيد وواحد مع الآب، إلا أنه وُجد في الهيئة كإنسان وأخذ صورة عبد، وكالعبد الكامل كان طعامه أن يفعل مشيئة الذي أرسله ويتمم عمله، وظل طيلة حياته متمتعاً بالشركة مع الآب حتى تسنى له أن يقول « أيها الآب .. أنا علمت أنك في كل حين تسمع لي ». بيد أنه في موت الصليب صرخ قائلاً: « إلهي إلهي لماذا تركتني؟ ».
كتب داود هذا الصراخ بالروح مُنبئاً عنه زهاء ألف سنة قبل تمامه، وهو أن المسيا في آلامه سينطق بهذه الكلمات المدوّنة في الأناجيل والتي نطق بها المخلص وهو معلق على الصليب. ويُشير المزمور إلى أن هذا التعبير قد نطق به المسيح لما حمل خطايانا في جسده على الخشبة.
منفرداً فوق الصليبِ قد تُركت ولم تجد حولك عينٌ أشفَقتْ والآن عن يمينِ اللهِ قد رُفعت تردد السماءُ مدحَ ما فَعلتْ
إلهي إلهي لماذا تركتني؟
(مز22: 1)
إن أكثرنا لا يعرفون عن صليب ملكى ومخلصى المسيح أكثر من انه قائم خشبي وعارضة ومسامير ومطارق وشهيد متألم يموت بلا رحمة ظلماً وحسداً. وأكثرهم لا يعرفون أن على جبل الجلجثة كان مشهد قضائي رهيب. هناك تهيأت ساحة قضاء محتوم ودينونة لا مفر منها إذا أُريد للخطاة أن يُطلقوا من عقوبة خطاياهم أبرياء، وإذا أُريد لهم أن يقتربوا إلى الله القدوس.
كان المشهد القضائي في جلجثة محتوماً وضرورياً لسببين: أولهما أن قداسة الله تطالب بإدانة الخطية. وصرخة المتألم القدوس « إلهي إلهي لماذا تركتني؟ » كانت مُعبرة تماماً عن حقيقة أن الله قدوس مُطلق القداسة.
والسبب الثاني هو أن الضمير الذي يتيقظ ليرى حقيقة حالته، لا يمكن له أن يجد سلاماً في حضرة الله قبل أن يعرف أن الخطية قد دينت على أساس العدل المُطلق طبقاً لمطاليب قداسة الله المُطلقة. هذا الضمير لن يجد راحة إلا عندما يتيقن تماماً أنه لا توجد غمامة تحجب الله عنه. هذه هي حالة الضمير المُكمَّل.
كان المسيح، بسبب كماله الشخصي، هو حَمَل الله الكُفء لأن يحمل دينونة العدل الإلهي ضد الخطية والخطايا بكيفية رائعة تكفي وتوفي وتزيد على كل مطاليب العدل الإلهي، حتى أن قداسة الله بدلاً من أن تقف ضد الخاطئ الذي يؤمن بكفاية موت المسيح تتحول لتقف إلى جانبه، وهذا هو معنى التبرير.
في الصليب دينت الخطية بصرامة بالغة في جسد بديلنا الذي برضاه حمل الدينونة طوعاً باذلاً نفسه حباً فينا لكي بالإيمان به نتبرر ويكون لنا سلام مع الله. مكتوب « الذي حمل هو نفسه خطايانا في جسده على الخشبة » (1بط2: 24) وأيضاً « الذي صنع بنفسه تطهيراً لخطايانا » (عب1: 3).
ولو علم صاحب الضمير المستيقظ عظمة هذا الشخص المبارك وقيمة دمه المسفوك لوثق واطمأن إلى كفايته للخلاص. إن الله شبع واكتفى جداً بالفدية التي قدمها يسوع المسيح لمواجهة مطاليب القداسة والعدل. ولأجل ذلك أقامه من الأموات، والآن صوت النعمة ينادي كل خاطئ بعيد، ويعلن أن بر الله يقتضي أن يعطي حياة أبدية وغفراناً لكل مَنْ يؤمن، وهذا هو معنى القول عن الله « ليكون باراً ويبرر مَنْ هو من الإيمان بيسوع » (رو3: 26).
يُقطع المسيح وليس له
(دا 9: 26)
تبارك اسمه. لم يكن هناك سبب للموت فيه، فلا الخطية الأصلية ولا الخطايا الفعلية لوثته، ولذلك لم يكن للموت أي حق عليه، ولم يكن لإنسان أن يسلبه حياته بعدل، فهو لم يسيء قط إلى أي إنسان، كما لم يكن بمقدور أي إنسان أن يقتله غصباً ما لم يُسر هو بأن يسلم نفسه للموت.
ومع ذلك فيا للغرابة: واحد يخطئ وآخر يتألم، لقد أثرنا غضب العدالة، ولكنها وجدت رضاءها فيه. لم تكن أنهار من الدموع ولا جبال من التقدمات، ولا بحار من دماء كثيرة وتيوس، ولا تلال من البخور العطر قادرة على محو الخطية، ولكن يسوع قُطع من أجلنا، وفي نفس اللحظة قطع سبب الغضب الإلهي، لأن الخطية قد مُحيت إلى الأبد. هنا الحكمة الإلهية التي أوجدت هذه البدلية التي هي أسرع وأضمن وسيلة للكفارة. هنا الاتضاع الذي قاد المسيا الملك لأن يلبس إكليلاً من الشوك وأن يموت على الصليب، هنا المحبة التي قادت الفادي لأن يضع حياته من أجل أعدائه.
ومع ذلك فإن كل هذا لا يمثل السبب الأساسي الذي يجعلنا نعجب لمشهد سفك دماء البريء من أجل المُذنبين. ولكن هناك ما يعنينا نحن بصورة أوثق. فالغرض الخصوصي من موت المسيح هو خلاص كنيسته. ألنا قسم ونصيب مع أولئك الذين بذل المسيح حياته فدية لأجلهم؟ هل أخذنا لأنفسنا موقف المسيح كنائب عنا؟ هل شُفينا بحُبره؟ إنه سيكون أمراً رهيباً حقاً إن لم يكن لنا نصيب في تضحيته. كان خيراً لنا ـ لو كان الأمر كذلك ـ لو كنا لم نولد. ورغم رهبة هذا السؤال، إلا أنه من المُبهج أن له إجابة صادقة وواضحة. فالرب يسوع هو المخلص لكل مَنْ يؤمنون به، ودم المصالحة قد رُش عليهم جميعاً. ليتنا إذاً نثق في استحقاقات موت المسيح ونبتهج في كل مرة نتذكره فيها. يا ليت أن يكون لنا تقدير مقدس له يقودنا إلى تكريس أنفسنا بالتمام له.
ما كنتَ أنت المذنبَ بل كنا نحن المذنبين لكن تحملت القصاص عن الخطاةِ الآثمين فالشكر نهديك على حبِّك نحو المذنبين والحمد والسُبح إلى الـد هرِ ودهرِ الداهرين
إلهي إلهي لماذا تركتني؟
(مز22: 1)
مَنْ في قدرته أن يصف آلام ابن الله حينما سكب للموت نفسه؟ لِما نطق قلبه الحزين بهذا الصراخ المُرّ « إلهي إلهي لماذا تركتني ». رسول أسلمه وآخر أنكره، وكل تلاميذه تركوه وهربوا. الله تحوَّل عنه والإنسان سخر منه وازدراه وبصق في وجهه وجلده وأحط من مقامه بأن جعله في عداد المجرمين. الظلام غطى وجه الأرض ساعات ثلاثاً وأمسى الإنسان - يسوع المسيح - الطاهر الكامل متروكاً من الله، من ثمّ صرخ « إلهي إلهي لماذا تركتني؟ »
لم يُسمع صراخ مثل هذا من قبل ولن يُسمع في ما بعد، لأن الله لا يترك إنساناً يستطيع أن يقول بحق « إلهي ». وفي المستقبل حينما يُترك الهالكون ويُطردون من حضرة الله، لا يقدر أن يقول أحدهم صدقاً « إلهي ». والعجب في هذا الصراخ على الصليب، أن الذي استطاع أن يقول في كمال الإيمان والمحبة « إلهي » هو الذي تُرك من الله.
وكإنسان استطاع أن يقول ليهوه « أنت إلهي » مع أنه مُعادل لله وهو الابن الوحيد وواحد مع الآب، إلا أنه وُجد في الهيئة كإنسان وأخذ صورة عبد، وكالعبد الكامل كان طعامه أن يفعل مشيئة الذي أرسله ويتمم عمله، وظل طيلة حياته متمتعاً بالشركة مع الآب حتى تسنى له أن يقول « أيها الآب .. أنا علمت أنك في كل حين تسمع لي ». بيد أنه في موت الصليب صرخ قائلاً: « إلهي إلهي لماذا تركتني؟ ».
كتب داود هذا الصراخ بالروح مُنبئاً عنه زهاء ألف سنة قبل تمامه، وهو أن المسيا في آلامه سينطق بهذه الكلمات المدوّنة في الأناجيل والتي نطق بها المخلص وهو معلق على الصليب. ويُشير المزمور إلى أن هذا التعبير قد نطق به المسيح لما حمل خطايانا في جسده على الخشبة.
منفرداً فوق الصليبِ قد تُركت ولم تجد حولك عينٌ أشفَقتْ والآن عن يمينِ اللهِ قد رُفعت تردد السماءُ مدحَ ما فَعلتْ
إلهي إلهي لماذا تركتني؟
(مز22: 1)
إن أكثرنا لا يعرفون عن صليب ملكى ومخلصى المسيح أكثر من انه قائم خشبي وعارضة ومسامير ومطارق وشهيد متألم يموت بلا رحمة ظلماً وحسداً. وأكثرهم لا يعرفون أن على جبل الجلجثة كان مشهد قضائي رهيب. هناك تهيأت ساحة قضاء محتوم ودينونة لا مفر منها إذا أُريد للخطاة أن يُطلقوا من عقوبة خطاياهم أبرياء، وإذا أُريد لهم أن يقتربوا إلى الله القدوس.
كان المشهد القضائي في جلجثة محتوماً وضرورياً لسببين: أولهما أن قداسة الله تطالب بإدانة الخطية. وصرخة المتألم القدوس « إلهي إلهي لماذا تركتني؟ » كانت مُعبرة تماماً عن حقيقة أن الله قدوس مُطلق القداسة.
والسبب الثاني هو أن الضمير الذي يتيقظ ليرى حقيقة حالته، لا يمكن له أن يجد سلاماً في حضرة الله قبل أن يعرف أن الخطية قد دينت على أساس العدل المُطلق طبقاً لمطاليب قداسة الله المُطلقة. هذا الضمير لن يجد راحة إلا عندما يتيقن تماماً أنه لا توجد غمامة تحجب الله عنه. هذه هي حالة الضمير المُكمَّل.
كان المسيح، بسبب كماله الشخصي، هو حَمَل الله الكُفء لأن يحمل دينونة العدل الإلهي ضد الخطية والخطايا بكيفية رائعة تكفي وتوفي وتزيد على كل مطاليب العدل الإلهي، حتى أن قداسة الله بدلاً من أن تقف ضد الخاطئ الذي يؤمن بكفاية موت المسيح تتحول لتقف إلى جانبه، وهذا هو معنى التبرير.
في الصليب دينت الخطية بصرامة بالغة في جسد بديلنا الذي برضاه حمل الدينونة طوعاً باذلاً نفسه حباً فينا لكي بالإيمان به نتبرر ويكون لنا سلام مع الله. مكتوب « الذي حمل هو نفسه خطايانا في جسده على الخشبة » (1بط2: 24) وأيضاً « الذي صنع بنفسه تطهيراً لخطايانا » (عب1: 3).
ولو علم صاحب الضمير المستيقظ عظمة هذا الشخص المبارك وقيمة دمه المسفوك لوثق واطمأن إلى كفايته للخلاص. إن الله شبع واكتفى جداً بالفدية التي قدمها يسوع المسيح لمواجهة مطاليب القداسة والعدل. ولأجل ذلك أقامه من الأموات، والآن صوت النعمة ينادي كل خاطئ بعيد، ويعلن أن بر الله يقتضي أن يعطي حياة أبدية وغفراناً لكل مَنْ يؤمن، وهذا هو معنى القول عن الله « ليكون باراً ويبرر مَنْ هو من الإيمان بيسوع » (رو3: 26).
يُقطع المسيح وليس له
(دا 9: 26)
تبارك اسمه. لم يكن هناك سبب للموت فيه، فلا الخطية الأصلية ولا الخطايا الفعلية لوثته، ولذلك لم يكن للموت أي حق عليه، ولم يكن لإنسان أن يسلبه حياته بعدل، فهو لم يسيء قط إلى أي إنسان، كما لم يكن بمقدور أي إنسان أن يقتله غصباً ما لم يُسر هو بأن يسلم نفسه للموت.
ومع ذلك فيا للغرابة: واحد يخطئ وآخر يتألم، لقد أثرنا غضب العدالة، ولكنها وجدت رضاءها فيه. لم تكن أنهار من الدموع ولا جبال من التقدمات، ولا بحار من دماء كثيرة وتيوس، ولا تلال من البخور العطر قادرة على محو الخطية، ولكن يسوع قُطع من أجلنا، وفي نفس اللحظة قطع سبب الغضب الإلهي، لأن الخطية قد مُحيت إلى الأبد. هنا الحكمة الإلهية التي أوجدت هذه البدلية التي هي أسرع وأضمن وسيلة للكفارة. هنا الاتضاع الذي قاد المسيا الملك لأن يلبس إكليلاً من الشوك وأن يموت على الصليب، هنا المحبة التي قادت الفادي لأن يضع حياته من أجل أعدائه.
ومع ذلك فإن كل هذا لا يمثل السبب الأساسي الذي يجعلنا نعجب لمشهد سفك دماء البريء من أجل المُذنبين. ولكن هناك ما يعنينا نحن بصورة أوثق. فالغرض الخصوصي من موت المسيح هو خلاص كنيسته. ألنا قسم ونصيب مع أولئك الذين بذل المسيح حياته فدية لأجلهم؟ هل أخذنا لأنفسنا موقف المسيح كنائب عنا؟ هل شُفينا بحُبره؟ إنه سيكون أمراً رهيباً حقاً إن لم يكن لنا نصيب في تضحيته. كان خيراً لنا ـ لو كان الأمر كذلك ـ لو كنا لم نولد. ورغم رهبة هذا السؤال، إلا أنه من المُبهج أن له إجابة صادقة وواضحة. فالرب يسوع هو المخلص لكل مَنْ يؤمنون به، ودم المصالحة قد رُش عليهم جميعاً. ليتنا إذاً نثق في استحقاقات موت المسيح ونبتهج في كل مرة نتذكره فيها. يا ليت أن يكون لنا تقدير مقدس له يقودنا إلى تكريس أنفسنا بالتمام له.
ما كنتَ أنت المذنبَ بل كنا نحن المذنبين لكن تحملت القصاص عن الخطاةِ الآثمين فالشكر نهديك على حبِّك نحو المذنبين والحمد والسُبح إلى الـد هرِ ودهرِ الداهرين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق