8 يونيو 1978 " أول بؤونة "
عيد الصعود الإلهى
مقدمة عن مصادر التشريع في المسيحية
المصدر الأول الأساسى للتشريع فى المسيحية هو الكتاب المقدس بعهديه . ثم هناك التقاليد و الإجماع العام ، و فى ذلك يقول القديس باسيليوس الكبير " من آباء القرن الرابع الميلاد " فى رسالته إلى ديودورس " " آن عادتنا لها قوة القانون ، لأن القواعد سلمت الينا من اناس قديسين " .
و هناك أيضاً القوانين الكنسية سواء كانت من الآباء الرسل أو من مجامع مسكونية أو اقليمية ، او من كبار معلمى الكنيسة من الآباء البطاركة و الأساقفة . و من هذا النوع الأخير قوانين أبوليدس و قوانين باسيليوس و هى قوانين معترف بها و نافذة المفعول فى العالم المسيحى .
و كل هذه القوانين التى وضعها الرسل و المجامع و الآباء انما كانت بناء على السلطان الكهنوتى الذى منحه لهم السيد المسيح بقوله " الحق اقول لكم كل ما تربطونه على الأرض يكون مربوطا فى السماء ، و كل ما تحلونه على الأرض يكون محلولا فى السماء " .
فالسيد المسيح قد سلم تلاميذه روح التعليم ، و ترك لهم كثيراً من التفاصيل لم يعطهم فيها تعليما ، و اسند اليهم أن يتصرفوا فيها بحسب الروح المعطى لهم . لأن المسيحية روح و ليست مجرد نصوص . و قد دعا السيد المسيح إلى التمسك بالروح و ليس بالحرف . و فى ذلك يقول بولس الرسول فى رسالته الثانية الى كورنثوس " الذى جعلنا كفاة لأن نكون خدام عهد جديد . لا الحرف بل الروح . لأن الحرف يقتل و لكن الروح
يحيي " " 6:3 " .
و قد كانت للسيد المسيح أحاديث كثيرة مع تلاميذه لم يرد منها فى الكتاب المقدس شئ " أعمال 3:1 " . و هذا واضح ، لأنهم لو سجلوا كل شئ لما كان ذلك مستطاعا ، كما شهد القديس يوحنا فى انجيله "21:25"
و هكذا فى أشياء كثيرة جدا و جوهرية للغاية ، سار العالم المسيحى حسب التقاليد التى سلمت اليه ، و لم ترد فى الإنجيل ، اذ لم يكن ممكنا آن تشمل الأناجيل كل شئ .
و مثال ذلك كل تفاصيل العبادة فى الكنيسة . فالكتاب المقدس يذكر أن السيد المسيح أمر تلاميذه قائلاً " تلمذوا جميع الأمم و عمدوهم " " متى 19:28" . أما طقس العماد ، طريقته و صلواته ، فلم يذكر عنها شئ . و كذلك صلوات عقد الزواج ، و صلاة القداس ، و صلوات الجنازات .. الخ .
كل ذلك و غيره وصل الينا عن طريق التقاليد . وضع بعضه رسل السيد المسيح ، و البعض وضعته المجامع المقدسة ، و البعض وضعه الآباء البطاركة و الأساقفة فصار تقليدا له قوة القانون .
و مثال ذلك تفاصيل أخرى فى موضع الزواج الذى نحن بصدده ، كالمحرمات فى الزواج مثلا . ليست كل القرابات المحرمة موجودة فى الكتاب المقدس ، و مع ذلك فهى كلها من الأمور المسلم بها ، ليس فى الكنيسة القبطية فحسب ، و انما فى الكنائس المسيحية جمعاء .
فهل يمكن آن تسمح محكمة بزيجة محرمة شرعا فى المسيحية ، على اعتبار انه لا يوجد بخصوصها ؟!
كلا ، و انما نسأل نحن عن ديننا و عما نعتقده ، و نحن أعرف من غيرنا بشريعتنا و مصادرها ، التى لا تقتصر على الإنجيل .
و انما هناك كما قلنا التقاليد و الإجماع العام و القوانين . و هناك روح الدين كما فهمها بنوه و معلموه ، و كما شرحه الآباء القديسون الأولين الذين كانوا يتكلمون بروح الله ، و كلماتهم لها فى قلوبنا هيبة القوانين ذاتها .
و لذلك لم نستطع أن نستغنى فى هذا البحث عن شئ من هذا كله .
مقدمة عن مصادر التشريع في المسيحية
إثبات شريعة الزوجة الواحدة فى المسيحية من
( 1 ) الاجماع العام
أ – مقدمة
إن وحدة الزواج فى المسيحية أمر مسلم به عند جميع المسيحيين فى العالم كله على اختلاف مذاهبهم من أرثوذكس إلى كاثوليك إلى بروتستانت .
اختلفوا فى موضوعات لاهوتية و تفسيرية كثيرة ، و اختلفوا فى بعض التفصيلات فى موضوع الأحوال الشخصية نفسه . أما هذه النقطة بالذات " الزوجة الواحدة " ، فلم تكن فى يوم من الأيام موضع خلاف . و إنما سلمت بها جميع المذاهب المسيحية ، و آمنت بها كركن ثابت بديهى من أركان الزواج المسيحى .
فعلى أى شئ يدل هذا الإجماع ، الذى استمر بين هذه المذاهب كلها طوال العشرين قرنا من بدء نشر المسيحية حتى الآن ؟ واضح انه يدل على أن هذا الأمر هو عقيدة راسخة ليست موضع جدل من أحد .
و شريعة " الزوجة الواحدة " هذه : كما كان مسلما بها لدى رجال الدين ، كان مسلما بها أيضاً لدى رجال القضاء . و كما علمت بها الكتب الكنيسة ، كذلك وردت فى التشريعات التى أصدرتها الحكومات المسيحية فى العالم أجمع .
و يعوزنا الوقت أن نتناول البلاد المسيحية واحدة واحدة ، و نفصل تشريعاتها فى الأحوال الشخصية . و لكننا نشير إلى من يشاء معرفة هذه التفصيلات ، بقراءة كتاب " الأحوال الشخصية للأجانب فى مصر " الذى صدر فى القاهرة سنة 1950م لمؤلفه الأستاذ جميل خانكى المحامى و وكيل النائب العام سابقاً لدى المحاكم المختلطة . و سنكتفى فى هذا البحث الموجز بذكر أمثلة من المؤلف ، تشمل بعض بلاد تتبع لكل من الذاهب المسيحية الرئيسية .
ب-الإجماع من جهة التشريعات المدنية
فكمثال للبلاد الأرثوذكسية:
1- أقباط مصر : نصت لائحة الأحوال الشخصية التى أصدرها المجلس الملى العام سنة 1938فى الفصل الثالث " موانع الزواج الشرعية " على أنه ؛ " لا يجوز لأحد الزوجين أن يتخذ زوجاً ثانياً مادام الزواج قائماً " " المادة 25 " . و فى الفصل السادس الخاص ببطلان الزواج نصت المادة 41على أن كل عقد يقع مخالفا للمادة السابقة " يعتبر باطلا و لو رضى به الزوجان أو أذن ولى القاصر ، و للزوجين و كل ذى شأن حق الطعن فيه " .
و كمثال للبلاد الأرثوذكسية ، الخلقيدونية :
1- اليونان : من بنود موانع الزواج تنص المادة 1354 من القانون المدنى اليونانى الصادر فى
30/1/1941 على أنه يمتنع الزواج " إذا كان أحد الزوجين قد سبق له الزواج ، و لم تنحل رابطته بعد " . و فى بطلان الزواج تحكم المادة 1372 بأنه يقع باطلا " زواج من لا يزال مرتبطا بزواج سابق " . و فى أسباب الطلاق تنص المادة 1439 على الطلاق فى حالة " إذا ارتكب أحد الزوجين زنا أو تعددت زوجاته " .
2-الروسيا : على الرغم من أن الزواج فيها لا يعتبر سوى عقد تراض بين شخصين . فإنه على حسب القانون المدنى للجمهوريات السوفيتية الاشتراكية الصادر سنة 1927 نص على أنه من موانع تسجيل وثيقة الزواج " أن يكون أحد الزوجين مرتبطا بزواج سابق لم تنحل رابطته بعد " .
و كمثال للبلاد الكاثوليكية :
1- ايطاليا : ينص القانون المدنى الايطالى الصادر فى 16/3/1942 فى الشروط الموضوعية لصحة الزواج على أنه " لا يكون أحد الزوجين مرتبطا بزواج سابق لم تنحل رابطته بعد " " المادة86 " . كما تنص المادة 117 على أنه يقع باطلا " زواج من كان مرتبطاً بزواج سابق لم تنحل رابطته " .
2-فرنسا : على حسب قانونها المدنى فى الأحكامالصادرة فى 12/4/1945 تنص المادة 147 فىفى الشروط الموضوعية لصحة الزواج على أنه " لا يكون أحد الزوجين مرتبطا بزواج سابق لم تنحل رابطته بعد " . و المادة 184 تقضى ببطلان زواج من كان مرتبطا بزواج سابق .
3-أسبانيا : تنص الفقرة الخامسة من المادة 83 من القانون المدنى الأسبانى الصادر فى 24/7/1889م على أنه من الشروط الموضوعية لصحة الزواج " أن لا يكون أحد الزوجيين مرتبطا بزواج سابق لم تنحل رابطته بعد " . و الفقرة الثانية من المادة 3 تقضى بالطلاق فى حالة " تعدد الأزواج أو الزوجات " .
و كمثال للبلاد البروتستانتية :
1- الولايات المتحدة : حسب القانون العادى common lawمن شروط صحة الزواج " أن لا يكون أحد الزوجين مرتبطا بزواج سابق لم تنحل رابطته بعد " .
2- ألمانيا : تنص المادة الخامسة من القانون رقم 16 الذى أصدره الحلفاء بتاريخ 20/2/1946م على أنه من الشروط الموضوعية لصحة الزواج " أن لا يكون أحد الزوجين مرتبطا بزواج سابق لم تنحل رابطته بعد " .
3- النمسا : تنص المادة 8 من القانون المدنى النمساوى الصادر سنة 1810 فى الشروط الموضوعية لصحة الزواج على أنه " لا يكون أحد الزوجين مرتبطاً بزواج سابق لم تنحل رابطته بعد " . بينما المادة 24 تقضى ببطلان الزواج " إذا كان أحد الزوجين ما يزال مرتبا بزواج سابق صحيح " .
و كمثال للبلاد التابعة للمذهب الأسقفى :
بريطانيا : و هى – و إن كان ليس لها قانون مكتوب – إلا أنه حسب التقاليد يحكم ببطلان الزواج إذا كان أحد الزوجين مرتبطا بزواج سابق لم تنحل رابطته بعد .
و هذه الشريعة المسيحية " الزوجة الواحدة " ، و كما هى متبعة فى البلاد الآنفة الذكر التى تكلمنا عن قوانينها كمجرد أمثلة ، هى أيضاً متبعة فى باقى البلاد المسيحية مثل الأرجنتين و بولندا و رومانيا و السويد و سويسرا و هولندا .. الخ
لذلك فإن الأستاذ تادرس ميخائيل تادرس فى كتابه " القانون المقارن فى الأحوال الشخصية للأجانب فى مصر " – الذى أصدره سنة 1954 و هو وكيل لمحكمة الأسكندرية و رئيس دائرة الأحوال الشخصية للأجانب – رأى فى الباب الثانى الخاص بالشروط الموضوعية للزواج أن يتكلم بإجمال عن هذا الأمر فقال :
" هذا و لا تأخذ القوانين الأوربية و الأمريكية و بالأحرى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق