هذا هو الفصل الثاني عشر من كتاب " اذا كان المسيح الها فكيف حبل به وولد؟ "
للكاتب القس عبد المسيح بسيط ابو الخير كاهن كنيسة السيدة العذراء الاثرية بمسطرد
س : من كان يحكم الكون عندما نزل المسيح من السماء ، وعندما كان في بطن العذراء ، وعندما كان ينام وينعس ، وعندما كان علي الأرض بصفه عامة ؟
المسيح لكونه الله فهو غير محدود بلاهوته الذي يملأ كل شئ ويحيط بكل شئ ، " أما أملا أنا السموات والأرض يقول الرب " (أر24:23) ، انه الغير محدود علي الإطلاق ، بلاهوته ، يقول الرب لشعب إسرائيل في القديم :
" الرب هو الإله في السماء من فوق وعلى الأرض من اسفل ، ليس سواه " (تث39:4) .
" لأن الرب إلهكم هو الله في السماء من فوق وعلي الأرض من اسفل "(يش11:2).
وقال لأرمياء النبي موجها كلامه إلى بني إسرائيل ؛ " العلي اله من قريب يقول الرب ولست ألها من بعيد . إذا اختبأ إنسان في أماكن مستتره أفما أراه أنا يقول الرب . أما أملا أنا السموات والأرض يقول الرب " (ار23:23-24) .
وعندما حل في بطن العذراء وظهر في الجسد ، لم يكن حلوله أو نزوله هذا انتقال من مكان الي آخر ومن السماء الي الأرض ، كلا ، حاشا ، فاللاهوت لا يمكن أن ينتقل من مكان الي آخر بينما هو يملأ كل شئ ويحيط بكل شئ ، فهو غير محدود في الزمن وا المكان فكيف يحده مكان ، سواء كان هذا المكان هو السماء أو الأرض أو بطن العذراء ، أو حتى الناسوت الذي حل فيه واتحد به وظهر فيه وبه ومن خلاله للناس .
كما انه لم يكن جزء من اللاهوت لأن اللاهوت واحد لا يتجزأ " فيه يحل كل ملء اللاهوت جسديا " (كو9:2) .
لكنه كان متجسدا في صورة إنسان وشكل العبد المحدود بالمكان ومع ذلك فقد كان يملأ الكل بلاهوته غير المحدود ، حل في الجسد المحدود وهو الغير محدود بلاهوته ، نزل علي الأرض دون أن يفارق السماء ، كان في بطن العذراء ومع ذلك كان جالسا علي العرش يدير الكون بقوه لا هوته غير المحدود . فهو كما يقول الكتاب " حامل كل الأشياء بكلمة قدرته "(عب3:1) ، و" الذي فيه يقوم الكل "(كو16:1).
نزل من السماء ولكن دون أن يخلي مكانه فيها ، نزل منها دون أن يفارقها وذلك لأنه مالئ كل شئ ويحوي كل شئ ولا يحويه شئ .
ولم يكن نزوله انتقالا من مكان لآخر وانما كان تنازلا إذ كما يقول الكتاب " أخلى نفسه أخذا صورة عبد ... وضع نفسه " (في6:2-7) انه أخلى نفسه ، وضع نفسه أي تنازل عن مجد لاهوته واتخذ فقر ناسوتا كما قال الكتاب " افتقر وهو غني " (2كو9:8) ، تنازل عن كونه " رب المجد " (1كو8:2) ، واخذ صورة العبد الفقير ، النجار الناصري ، وأحتمل ما لا يمكن أن يحتمله لولا تنازله وتجسده .
ومع تنازله وتجسده واتخاذه الطبيعة الإنسانية المحدودة فقد كان موجوداً في كل مكان ، ويملأ الكل بلاهوته . وقال هو نفسه عن هذه الحقيقه " وليس أحد صعد الي السماء إلا الذي نزل من السماء ابن الإنسان الذي هو – كائنا- في السماء " (يو13:3) ، فهو يقول انه نزل من السماء ومع ذلك فهو كائن ، موجود ، حاضر في السماء ، انه موجود في السماء وعلي الأرض في آن واحد ، برغم تجسده وظهوره في هيئة عبد واتخاذه صورة الإنسان ، نزل في صورة الإنسان . نزل من السماء ومع ذلك ظل موجودا في السماء ، نزل الي الأرض ولم يخل من وجوده السماء ، ظل فيها مع انه كان متجسدا علي الأرض .
ومع انه كان متجسدا كانسان ، وظاهرا في الجسد المحدود فقد قال أيضا : " لأنه حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثه بأسمى فهناك أكون (أنا) في وسطهم " (مت20:18) وأيضا ؛ " إن احبني أحد يحفظ كلامي ويحبه ابي وإليه نأتي وعنده نصنع منزلا " (يو23:14) . وعند صعوده بالجسد الي السماء قال ؛ " وها أنا معكم كل الأيام الي انقضاء الدهر " (مت20:28) . فهو يقول انه في السماء وعلي الأرض في آن واحد مع انه كان محدودا بالناسوت ، بالجسد ، ولكنه الغير محدود بلاهوته .
وفي هذه الآيات يقول انه يمكن أن يكون مع أي شخص يحبه في أي مكان أو زمان ، حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثه باسمه في أي مكان علي الأرض وفي أي زمان يكون حاضرا معهم وهذا يعني انه غير محدود بالمكان وأيضا بالزمان . ولما صعد الي السماء بجسده ظل علي الأرض في كل مكان بلاهوته ، يقول لتلاميذه : " وها أنا معكم كل الأيام الي انقضاء الدهر " .
قال القديس كيرلس عامود الدين :
" أن طبيعة الكلمة لا يمكن بتاتا أن تحد علي الرغم من أننا نقول انه يسكن كما في هيكل مقدس ، في الجسد المولود من القديسة العذراء "(في سر التجسد 35) .
وقال أيضا : " إذا قيل أن الله الكلمه نزل إلينا فلا يفزع أحد ظانا كيف نزل غير المادي من مكان الي آخر . ولا يجب أن يظن أحد انه ينسحب من مكان لآخر ، فهو يملأ كل الأشياء ، بل علينا أن نفهم أن نزوله ومجيئه ليس تنقلا من مكان لآخر ، بل قبول الكلمة الخدمة المقدسة وأرسالية سلمت بعد ذلك لتلاميذ المسيح "(شرح تجسد الابن الوحيد 27).
وأيضا " ونحن نعترف بأن الكلمه الله هو معنا ، دون أن يكون محصورا في مكان ما ، لأنه أي مكان لا يوجد فيه الله الذي يملأ كل الأشياء "(شرح تجسد الابن الوحيد 2).
قال بروكلس بطريرك القسطنطينيه وخلف نسطور : " كان في حضن أبيه وهو هو في مستودع البتول ، هو كان محمولا علي ذراعي أمه وهو محمولا علي أجنحة الرياح مسجودا له من الملائكه ، جالس مع العشارين والشار وبيم لا يجسرون أن ينظروا إليه "(الخريدة النفيسة في تاريخ الكنيسة جـ 1 : 468).
قال ساويرس المقفع :
" لأن قولنا نزل (لا يعني) أن السماء كانت خاليه منه ، ولا هو محدود في موضع دون موضع ، إنما ذكر النزول ها هنا يعني به كونه أتضع واتحد بالجسد ، وصار إنسانا لأن هذا اعظم نزول انه صار موجودا محسوسا وملموسا ومحدودا بالجسد الذي اتحد به لله "(الدر الثمين في إيضاح الدين 55 ).
انه نزل من السماء افتقر وهو غني ، أخلى ذاته وأخذ صورة العبد دون أن يفارق عرشه في السماء ودون إن يخلو منه مكان ما في الكون ودون أن يتغير عن كونه الله ، أخلي نفسه لأجل الطبيعه البشريه التي اتخذها ، وصار في صورة عبد ، شابهنا في كل شئ ما عدا الخطيه وحدها ، وهو ملء اللاهوت الذي يملأ الكل ويحيط بالكل وفوق الكل " عظيم هو سر التقوى لله ظهر في الجسد تبرر في الروح ترآي لملائكته كُرز به بين الأمم أُو من به في العالم رُفع في المجد " .
قال القديس اغسطينوس :
" أو ليس هو ذاك الذي جاء الي أرضنا دون أن يبتعد عن السماء ؟ أو ليس هو ذاك الذي صعد الي السماء دون أن يتخلي عنا "(شرح رسالة يوحنا الأولى م 6 : 13 ).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق