السبت، 14 أغسطس 2010

التحليلات الطائفية لحوادث الحياة العادية!

بقلم رامى عطا : جريدة القاهرة

http://www.alkaheranews.com/details.php?pId=5&aId=1227&issId=535

تابعنا خلال الفترة القريبة الماضية وعبر وسائل الإعلام المختلفة حادثة اختفاء زوجة أحد كهنة مدينة دير مواس بمحافظة المنيا بصعيد مصر، تلك المدينة التي كانت هادئة ثم باتت مسرحاً لعدد من الحوادث (الطائفية) ذات الطابع الديني خلال السنوات القليلة الماضية بصورة تدعو إلي القلق علي حاضر هذا الوطن ومستقبله أيضاً، فقد تبع هذا الحادث قيام بعض المواطنين المسيحيين (الأقباط) بمظاهرات في مدينة المنيا ومظاهرات أخري داخل الكاتدرائية المرقسية بالعباسية حيث المقر البابوي، وتلويح البعض، وليس الكل، بأنه قد تم اختطاف زوجة الكاهن وأنها محاولة لأسلمتها من قبل أحد زملائها مع اتهام الأمن بالتقاعس عن حماية البنات والسيدات المسيحيات اللاتي يتعرضن للخطف!! إلي آخره من اتهامات تدل في الواقع عن أزمة ثقة وغياب المصداقية من جانب المواطنين المسيحيين تجاه شركاء الوطن من المسلمين.

لقد تطور الأمر بعد ذلك وأوضحت الأخبار التي تداولتها وسائل الإعلام، أن الحدث ليس به شبهة اختطاف أو أسلمة من قريب أو بعيد، فقد كانت هناك خلافات زوجية بين تلك السيدة وزوجها الكاهن- حسبما أشارت الأخبار المنشورة عبر التصريحات الكنسية التي نشرتها وسائل الإعلام- وأنها ذهبت لتقيم عند إحدي صديقاتها بدون علم من أهلها إلي أن نجح رجال الأمن في التوصل إليها ليبدد ظهورها تلك الاتهامات وهذه الشكوك.

وقبل ذلك، وفي العام الماضي علي وجه التحديد وبعد تفشي مرض أنفلونزا الخنازير علي مستوي العالم، كان قرار رئيس الجمهورية والخاص بذبح قطعان الخنازير، مما اعتبره البعض قراراً موجهاً ضد المواطنين الأقباط علي اعتبار أن غالبية العاملين بتربية الخنازير وتجارتها هم من المواطنين المسيحيين، ذلك علي الرغم من أنه يعمل بهذه الصناعة بعض المواطنين المسلمين أيضاً!!

ومن قبل أيضاً، حدث خلاف (عادي) بين مواطن مسلم وآخر مسيحي اختلفا حول ثمن زجاجة مياه غازية، ليتطور الأمر بعد ذلك إلي خلاف بين (مسلم) و(مسيحي)، ويصبح حادثاً طائفياً!! وفي هذا الإطار نستطيع وتستطيعون ذكر العديد من الأمثلة.
تحليلات طائفية

ولكن مما يلفت النظر ويستحق الانتباه هنا مع المزيد من التحليل العميق أنه من الصفات التي صارت لصيقة بتفكير البعض منا، خلال السنوات القليلة الماضية، انتشار التحليلات الطائفية، تلك التحليلات التي تتجلي في اتجاهات وتفسيرات البعض بصورة تصل إلي حد الإزعاج وخلق التوتر والمساهمة في صناعة الأزمات الطائفية بسبب التركيز علي البعد الخاص باختلاف الانتماء الديني بين المواطنين المصريين، وكأنه السبب الوحيد والمشترك وراء كل حادث هو في حقيقته من حوادث الحياة اليومية العادية التي تتكرر هنا أو هناك بل وربما تحدث تقريباً في كل دول العالم، ولكن الغريب هنا أنه حينما تقع حادثة عادية، إلا ونفاجأ بمن يعطيها طابعاً طائفياً دينياً ويسبغ عليها تفسيراً وتحليلاً ضيقاً، إنه استدعاء للخلاف الديني علي حساب المشترك الذي يجمع الجماعة الوطنية الواحدة.

تطييف ما لا يستحق التطييف!!

إن ما يحدث هذا هو ما سبق وإن أطلقنا عليه من قبل مصطلح (التطييف)، ذلك المصطلح الذي سمعته لأول مرة في العام الماضي من البروفيسور الدكتور أنطوان مسرة أستاذ الإعلام بالجامعات اللبنانية، حين شاركت في ورشة عمل بالعاصمة اللبنانية بيروت دارت حول موضوع (الإعلاميون والسلم الأهلي). وكان الدكتور مسرة يقصد بمصطلح (التطييف) إعطاء طابع طائفي لقضية غير طائفية، وهو عنده الأمر الذي يحدث في الإعلام العربي، ويمثل بدوره مشكلة يقع فيها بعض الإعلاميين، وهو كذلك الأمر الذي يهدد السلم الأهلي وهدوء المجتمع وأمنه.

وبالتطبيق علي المشهد الراهن في المجتمع المصري، فإن هناك تطييفاً من قبل البعض.. إعلاميين وغير إعلاميين من الحقوقيين والمثقفين ورجال الدين.. مسلمين ومسيحيين علي حد سواء، لعدد من الحوادث بصورة تؤدي إلي الكثير من التوتر في العلاقة بين المسلمين والمسيحيين من أبناء مصر.

وهذه الحالة ما هي إلا تطييف لما لا يستحق التطييف، فمن الغريب حقاً أن يحدث خلاف أو شجار بسيط بين رجل مسلم وآخر مسيحي حول أحد أمور الحياة اليومية من بيع وشراء أو غير ذلك، ليتحول الحدث ودون مبرر منطقي من جانب البعض إلي خلاف بين مسلم ومسيحي، وربما يتطور ليصبح خلافاً بين الإسلام والمسلمين من جهة والمسيحية والمسيحيين من جهة أخري. فمن شأن تلك التحليلات الطائفية للحوادث العادية أن تعمل علي تأجيج الصراع وزيادة الاحتقان بين أبناء الوطن الواحد من أهل مصر، وهو الأمر الذي يدعونا إلي توخي الحذر من أجل عدم الوقوع في فخ تلك التحليلات الضيقة وفخ التطييف الذي يكرس التعصب والانفصال بين أبناء الوطن ويبعد بعيداً عن معاني المواطنة والتكامل القومي والاندماج الوطني.
وطن واحد ومصير مشترك

وظني هنا أن هناك حوادث لها أبعاد دينية، كالحوادث المتعلقة ببناء الكنائس علي سبيل المثال، وهي حوادث تحتاج إلي علاج مجتمعي شامل، تتضافر فيه جهود المؤسسات الدينية والتعليمية والإعلامية والثقافية فضلاً عن دور منظمات المجتمع المدني، إلا أنني أتمني أن يكون التفسير الديني هو آخر ما نلجأ إليه من تفسير وتحليل، لا سيما وأن المواطنين المصريين.. مسلمين ومسيحيين.. يجمعهم تاريخ مشترك وحاضر مشترك، يعيشون في وطن واحد ويواجهون مصيراً مشتركاً، حيث إنهم يواجهون نفس الهموم والتحديات ويحصدون معاً ثمار التقدم والتنمية، ولعلي أتذكر هنا مقولة المؤرخ الكبير عبد الرحمن الرافعي حين يقول في كتابه العمدة (تاريخ الحركة القومية) عن فترة تاريخية سابقة علي تكوين مصر الحديثة أنه "كان المسلمون والأقباط علي السواء في احتمال سوء الإدارة وظلم الحكام".

نحو حوار مجتمعي جاد

وإن كان من المهم هنا أن نفكر بشكل جاد في الإجابة عن سؤال: لماذا فكر بعض المواطنين المسيحيين علي هذا النحو تجاه مواطنيهم المسلمين؟! وهو الموضوع الذي أتمني أن يدور حوله حوار مجتمعي علي أن يتسم بالسمو والرقي والرغبة الحقيقية في البناء لا الهدم واستخدام لغة راقية تبعد عن الإسفاف.

إننا نحتاج إلي إعمال العقل بشأن كل ما يدور حولنا من أحداث.. نحتاج إلي ضبط النفس والتحلي بالحكمة والحنكة، والإيمان بأن سلامة هذا الوطن ونموه ووحدة مواطنيه هي أهداف وطنية ينبغي أن نعمل من أجلها وألا نحيد عنها، نحتاج إلي إسهامات كل المستنيرين والعقلاء والحكماء من أبناء هذا الوطن الذي يضمنا جميعاً ونعيش علي أرضه من أجل ضمان وطن واحد.. ناهض ونام.. تسوده قيم الحب والتسامح والمواطنة والتعاون والإيمان بالتعددية والتنوع وغيرها من قيم الاستنارة والتنوير.
زين الكلام

يقول العلامة رفاعة رافع الطهطاوي (1871- 1873م)- رائد التنوير في مصر الحديثة- "ليكن الوطن محلاً للسعادة المشتركة بيننا نبنيه معاً".. تُري هل نستجيب لوصية الجد الكبير رفاعة الطهطاوي؟!


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق