السبت، 14 أغسطس 2010

المنيا ... بؤرة الفتنة الطائفية في الصعيد




الجمعة, 6-08-2010 - 1:43الجمعة, 2010-08-06 13:43 |


شريف الدواخلي و علي حسين ونجلاء فتحي
  • «إقطاعيات» الأقباط والبحث عن كرامة المسلمين شرارات النار الأولي

أحمد ضياء الدين


بالرغم من شهرتها بـ«عروس الصعيد» إلا أن هذا المسمي الجميل ربما لم يعد يتذكره أحد الآن بعد أن تحول اسمها إلي «عاصمة التطرف الطائفي» نظراً لكثرة الأحداث الطائفية التي عصفت بها علي امتداد مراكزها « مغاغة، بني مزار، مطاي، سمالوط، أبو قرقاص، ملوي، ديرمواس، العدوة «فمن بين 53 حادث عنف وقعت في 17 محافظة من أصل 29 محافظة استحوذت المنيا وحدها علي 21 حادثاً منذ يناير 2008 وحتي يناير2010.

والحقيقة أن هناك عوامل تضافرت حتي أصبحت المنيا علي رأس المحافظات التي تشهد أحداث عنف طائفي دوماً سواء الأسباب التي لها علاقة بالطبيعة الجغرافية للمدينة التي يغلب عليها الطابع القاري الصلد فضلاً عن التركيب الديموغرافي «السكاني» علاوة علي ضمها للكثير من المتناقضات فبالرغم من مظاهر الفقر المدقع التي تنتظر علي امتداد مراكزها فإنها تضم في ثناياها العديد من«العزب» التي تظهر عليها مظاهر البذخ الفاحش سواء في أبنيتها أو حتي كنائسها التي تنافس عبق الكاتدرائية نفسها.

والمتابع لإجداث الفتنة الطائفية في مصر يخلص إلي أن النسبة الكبري منها وقعت في منطقة صعيد مصر، وتحديداً في المنيا سواء من حيث عدد الحوادث أو مدي جسامتها، وعدد المتورطين فيها، حيث يشكل الصعيد مشكلة أيضاً من حيث التواتر الزمني لوقوع الأحداث وتنوع وانتشار أماكن حدوثها، فالمنيا علي سبيل المثال يقع فيها حادث عنف طائفي واحد كل خمسة وثلاثين يوماً في 17 قرية تتبع سبعة مراكز بالمحافظة من أصل تسعة مراكز تتشكل منها محافظة المنيا.

وتتنوع أنماط حوادث العنف في محافظة المنيا حيث إن أخطرها هو «الانتقام الجماعي» الذي يستهدف أتباع ديانة ما في منطقة بأكملها. ونظراً للتركيبة السكانية للمجتمع المصري فإن الغالبية العظمي. وتقوم فكرة الانتقام الجماعي علي سريان قناعة غير عقلانية تعتقد بمسئولية جميع المسيحيين في منطقة ما عن فعل منسوب لشخص واحد أو أكثر من المسيحيين تجاه شخص واحد أو أكثر من المسلمين، وكذلك بمسئولية جميع المسلمين في تلك المنطقة عن الانتقام لهذا الفعل، بغض النظر عن علاقة القائمين بالانتقام أو المنتقم منهم بالفعل الأصلي حسب القناعة نفسها. ويرتبط الانتقام الجماعي بمفهومين ظهرا بقوة خلال فترة الرصد هما «هيبة المسلمين وكرامتهم» و«شرف المسلمين». أما عمليات الانتقام من مسيحيين تجاه مسلمين فليست معدومة ولكن عددها ومستوي العنف فيها أقل بدرجة كبيرة، حيث يفضل المسيحيون عند شعورهم بالغضب اللجوء إلي أشكال احتجاج مختلفة مثل التظاهر والاعتصام، ودائماً ما يلجأون إلي الكنيسة لمطالبتها بالتدخل نيابة عنهم .

ومعظم تلك الحالات كانت حوادث تتحول فيها مشاجرة بين مسلم ومسيحي قد تكون لأتفه الأسباب ـ مثل خلاف حول من له أسبقية المرور في الشارع ـ إلي مواجهات طائفية تتردد فيها الهتافات الدينية ويتبادل فيها المسلمون والمسيحيون التراشق بالحجارة، اعتقاداً بأن الجميع مسئول عن الدفاع عن أتباع طائفته، ففي 24 يوليو 2009 بقرية الحويصلة التابعة لمركز المنيا قام نحو ألفين من مسلمي القرية بمهاجمة مبني تابع للمجمع المعمداني المستقل وإشعال النيران فيه، وإحراق ثلاثة منازل يملكها مسيحيون، فضلاً عن بعض حظائر الماشية، مرددين هتافات ضد المسيحيين؛ وذلك بعد اكتشاف المسلمين لنية المجمع تحويل المبني إلي كنيسة بعد تركيب صليبين من الجبس علي واجهة المبني. وفي قرية نزلة البدرمان التابعة لمركز دير مواس بمحافظة المنيا في مساء يوم 27 أكتوبر 2009 وقعت مصادمات طائفية بين مسلمين ومسيحيين بسبب احتجاج المسلمين علي القيام بتجديد منارة كنيسة مار جرجس بالقرية، وتم تحطيم زجاج الكنيسة ووقعت تلفيات ببعض منازل وممتلكات المسيحيين بالقرية، من بينها خمس سيارات، ومستودع أسمنت، ومنشر خشب، فضلاً عن سرقة محتويات سيارة ملاكي.

وفي قرية الريدة التابعة لمركز المنيا منع تاجر أخشاب مسيحي من استكمال بناء مخزن أخشاب في 28 يوليو 2009 لتشكك ضباط مباحث أمن الدولة في أنه يقوم ببناء كنيسة. وفي 15 أغسطس 2009 أرسل كاهن عزبة داود التابعة لمركز سمالوط بمحافظة المنيا شكاوي إلي رئاسة الجمهورية وعدد من منظمات حقوق الإنسان يشكو فيه جهاز مباحث أمن الدولة ومحافظ المنيا ويطالب بالسماح للمسيحيين في القرية الذين يبلغ عددهم 800 شخص ببناء دار مناسبات لإجراء مراسم الزواج وللصلاة علي موتاهم بها بدلاً من إجرائها في الشارع ، و لا يكاد يمر حادث من حوادث العنف الطائفي إلا وقد استهدفت خلاله كنيسة أو أكثر بالرشق بالحجارة وأحيانا بمحاولة إحراقها مع ترديد هتافات دينية معادية، مثلما حدث في دير أبو فانا الخاص بالأقباط الأرثوذكس والواقع في نطاق مركز ملوي بمحافظة المنيا والذي تعرض في يوم 9 يناير 2008 إلي اعتداء مسلح من قرابة عشرين شخصاً أسفر عن إتلاف ما يقرب من ثماني قلايات «وهي الغرف المخصصة لخلوة رهبان الدير». وفي يوم 31 مايو 2008 تعرض الرهبان المقيمون في الدير ذاته إلي اعتداء مسلح جديد من قرابة ستين شخصاً من البدو المقيمين في قرية (قصر هور» المتاخمة للدير. وقد وقع الصدام بسبب نزاع بدأ منذ عدة سنوات بين رهبان الدير الأثري الذين يقومون باستصلاح الأرض المحيطة بالدير وبين البدو المسلمين المقيمين في القرية المجاورة والذين يعتبرون الأرض ملكاً لهم بوضع اليد.

كما يعد القتل العمد نمطاً آخر من أنماط العنف الطائفي الذي يجري فيه استهداف القتلي بسبب معتقداتهم الدينية، ففي 27 سبتمبر 2009 تظاهر المئات من مسيحي قرية دلجا الواقعة بمركز دير مواس بمحافظة المنيا احتجاجاً علي مقتل مسيحيين اثنين من أبناء القرية وإصابة ثلاثة آخرين في مشاجرات مع مسلمين، وإن لم تكن هناك دلالات قوية علي أن الضحايا قتلوا لأسباب دينية إلا أن تكرار حوادث القتل خلال فترة قصيرة «شهري أغسطس وسبتمبر 2009» أشعرت المسيحيين هناك بأنهم مستهدفون، حتي أنهم رفعوا لافتات مكتوباً عليها «الدور علي مين؟»، كما شهدت قرية دفش مظاهرة قام بتنظيمها مئات من الأقباط في يوم 5 يونيو 2008 أمام إحدي الكنائس بعد مصرع شاب قبطي بالقرية في اليوم نفسه. وكان أحد مسلمي القرية قام بطعن الشاب بالسكين في أحد الحقول انتقاماً منه لقيامه بالتلصص علي منزل شقيق القاتل وزوجته. وفي يوم 5 أكتوبر 2008 أصدرت محكمة جنايات المنيا حكماً علي الجاني بالحبس لمدة سنة مع إيقاف التنفيذ! وكان مسيحي آخر قد قتل أثناء مواجهات طائفية شهدتها قرية الطيبة التابعة لمركز سمالوط بمحافظة المنيا في أكتوبر 2008، وبرأت المحكمة المتهم في 4 مايو 2009.

من جانبه يقول المفكر جمال أسعد إن جغرافيا المنيا ساعدت علي جعلها بؤرة للاحتقان الطائفي فأغلب المحافظة عبارة عن إقطاعيات للأقباط علي مساحة آلاف الأفندة، مما جعل الأقباط هناك ينشأون في بيئة منغلقة لا يحتكون فيها بالآخر خصوصاً أن معظم سكان المحافظة من الأقباط وبالتالي تكاد تكون أكبر تجمع مسيحي في مصر.

أما نائب الشوري القبطي عن دائرة ملوي عيد لبيب فيؤكد أن هناك أصابع خفية تحرك الأحداث داخل المحافظة لتضخيم الأمور دون داع، منتقداً ما قام به الأقباط مؤخراً عندما تظاهروا من أجل زوجة كاهن دير مواس بالرغم من كونها مشكلة عائلية في المقام الأول، و بحسب تعبيره «لن توجد فتنة طائفية في المنيا» لأن كل الاشتباكات التي وقعت بين مسلمين و أقباط خلافات عادية مثل اشتباكات رهبان أبو فانا الأعراب.

ويري الدكتور عثمان هندي عضو مجلس محافظة المنيا وأستاذ علم الاجتماع السياسي بآداب المنيا أن هناك أسباب عديدة لاعتبار المنيا«تحديداً» من أبرز بؤر الاحتقان الطائفي، لأنها من المحافظات التي تتميز بتكوين اقتصادي واجتماعي خاص، حيث ينتشر بها نسب كبيرة من الفقر والبطالة والأمية التي كانت تربة خصبة في السبعينيات والثمانينيات للتطرف وخرج منها الجماعات الإسلامية المتطرفة التي تورطت في اغتيال الرئيس السابق أنور السادات ورفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب الأسبق।

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق