ashrf baheeg
الصلاة هي تقديم ورفع الذهن والقلب إلى الله. والإنسان لا ترتوي روحه إلاَّ إذا عبَّر بكل كيانه النفسي والعقلي والجسدي عن حبِّه وشوقه وإخلاصه. إذ أننا ونحن نعيش في الجسد على الأرض، فصلواتنا يتم التعبير عنها بكافة الأشكال (الطقوس) الخارجية: السجود والركوع وإحناء الرأس، بعلامة الصليب، برفع الأيدي إلى الله، باستخدام المواد الخاصة بالخدمات الطقسية المقدسة (شموع، بخور، أيقونات، وغيرها). فالخدمات الإلهية في العهد الجديد تتم، لا بدم تيوس وعجول كما في العهد القديم، بل بذبائح التسبيح والشكر والتوسُّل مغموسة ومُطهَّرة في دم ذبيحة المسيح على الصليب، ومستمر تقديمها على مدى الدهور وعلى مذابح العهد الجديد بخبز وخمر غير دمويَّيْن، ومتقدسَيْن بحلول الروح القدس في سرِّ الإفخارستيا. إلاَّ أن للصلاة وسائل خارجية متعددة. والرب يسوع المسيح نفسه لم يهمل الوسائل الخارجية للتعبير عن الصلاة والذبيحة. فقد جثا على ركبتيه وصلَّى (لو 22: 41)، وخرَّ على وجهه (سجود) وكان يُصلِّي (مت 26: 39؛ مر 14: 35)، ورفع يده وبارك تلاميذه وقت صعوده (لو 24: 50)، ونفخ في وجه تلاميذه مُعطياً إيَّاهم الروح القدس (يو 20: 22)، وكان يستخدم الحركات الخارجية وهو يشفي المرضى، وكان يتوجَّه إلى الهيكل في أورشليم وسمَّاه ”بيت أبي“: «بيتي بيت الصلاة يُدعى» (مت 21: 13)، وقال ليوسف ولمريم العذراء: «ألم تعلما أنه ينبغي أن أكون ”في بيت أبي“ (الترجمة الأدق)» (لو 2: 49)، والرسل مارسوا كل هذا أيضاً. إذن، العبادة الروحية في العهد الجديد كما مارسها الرسل يجب أن تكون مُلازِمة للعبادة بالجسد أيضاً، وهذا ناتج عن الرباط المتين والتأثير المتبادَل للنفس والجسد: + «أم لستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل الروح القدس الذي فيكم، الذي لكم من الله، وأنكم لستم لأنفسكم. لأنكم قـد اشتُريتم بثمن، فمجِّدوا الله في أجسادكم وفي أرواحكم التي هي لله» (1كو 6: 20،19). عطايا الله للمواظبين على ممارسة عبادته بالروح وبالجسد: ”قانون الطقس يبدو في مظهره مجرد وصايا وأوامر وتحديدات. ولكن سر الطقس يتجلَّى في الأمانة عند التنفيذ والمواظبة بإخلاص، حيث ينفتح على الإنسان باب العطايا الإلهية، فيذوق الإنسان من سخاء الله وغزارة نعمته. وحسب خبرة الآباء القديسين، تكون العطايا دائماً من نوع الجهاد: + فنشاط الجسد في الصلاة والخدمة، يُجازيه الله بنشاط الروح وحرارة القلب. + ووقوف الإنسان في الصلاة بعزم ورزانة، يُجازيه الله بصلابة الروح واستقامة الفكر. + ورَفْع اليدين والعينين والقلب والنفس، يُجازيه الله بالاقتراب بنعمته إلى قلب الإنسان. + والسهر بالليل، يُجازيه الله بيقظة في الروح واستنارة. + والصلاة بفهم ووعي قلبي، يُجازيه الله بنعمة الإفراز والحكمة. + والسجود متواتراً إلى الأرض، يُجازيه الله برفع روح الإنسان من الأرضيات. + والتسبيح والحمد والشكر الدائم، يُجازيه الله بالفرح وبهجة النفس. + وتمجيد الله وتقديس اسمه متواتراً، يُجازيه الله بتكريم روح الإنسان في السرِّ والعَلَن. + والدموع والبكاء والحزن على الخطايا والصغائر، يُجازيه الله بعزاء النعمة والفرح الباطني. أي أن الطقس بقدر ما يضع علينا من أوامر ووصايا وفرائض والتزامات، يُهيِّئ لنا، في الواقع وفي السرِّ، العطايا الثمينة البَهِجَة التي توازِن أتعابه مائة ضعف. وكلما ثقَّل علينا الطقس بالتزامات تبدو للجُهَّال والكسالى أنها زيادة وثقل، كلما أضمر لنا انفكاكاً مـن رُبُط الجسد والعالم وأعدَّنـا لنكون روحانيين“. (عن كتاب: ”حياة الصلاة الأرثوذكسية“) |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق