كيف تحب الناس ويحبك الناس؟
هناك قواعد هامة، عليك أن تتبعها لكي تكسب محبة الناس، ونحاول هنا أن نعرض لبعض منها.
1- ضع هدفاً واضحاً أمامك، أن تكسب محبة الناس، حتى لو أدى الأمر أن تضحى في سبيل ذلك..
هناك أشخاص يهمهم ذواتهم فقط، ولا يهتمون بالآخرين. لا يبالون إن غضب فلان أو رضى. أما أنت فاحرص على شعور كل أحد، وحاول أن تكسب كل أحد، لأن الكتاب يقول: "رابح النفوس حكيم". وإن عرفت أن واحداً من الناس متضايق منك، فلا يهدأ قلبك حتى ترضيه. اجعل كل أحد يحبك، وكما قال الكتاب: "أن استطعتم فعلى قدر طاقتكم سالموا جميع الناس". لذلك قدم للناس محبتك، واكتسب محبتهم، واعتبر أن محبة الناس كنز ثمين يجب أن تحرص عليه.
2- وفى سبيل محبة الناس، احترم كل أحد، حتى من هو أصغر منك وأقل شأناً.
كثير من الناس يحترمون من هم أكبر منهم أو من هم أعظم مركزاً، ولكنهم يتجاهلون من هم أقل منهم، وبهذا يخسرون الكثير. أما أنت فتدرب على احترام الكل وتوقير الكل. لا تقل كلمة فيها إقلال من شأن أحد، أو جرح لشعور إنسان. ولا تعامل أحداً باستصغار أو باحتقار، ولا تتجاهل أحداً مهما كان مجهولاً. درب نفسك على عبارات تقدير وتوقير بالنسبة إلى أولادك أو اخوتك الصغار أو مرؤوسيك أو خدمك..
واعلم أن أمثال هذه العبارات سوف لا تنسى، سيتذكرها أولئك الصغار طول العمر، وسترفع من روحهم المعنوية، وستجعلهم يحبونك. إن كثيراً من الكبار ينسون احترامك لهم لأنه شيء عادى بالنسبة إليهم. أما الصغار فلا ينسون. احترامك لهم عمل باق لا يضيع. واعرف أن الله لا يحتقرنا على الرغم من الفارق اللانهائى بين عظمته وضآلتنا، والله مع ذلك يتنازل ويكلمنا، ويتضع مستمعاً إلينا ساعياً لخلاص أنفسنا.
3- لذلك فإن تواضعك للناس هو عامل هام في كسب محبتهم لك.
لا تكلم أحداً من فوق، ولا تتعال على أحد، بل عامل الكل باتضاع، فإن الناس يحبون المتضعين. إن كان لك مركز كبير، إنس مركزك، وعش مع الناس كواحد منهم. لا تشعرهم بفارق..
في إحدى المرات سألنى أحد الأباء نصيحة، فقلت له: (كن إبناً وسط اخوتك، وكن أخاً وسط أبنائك) ذلك لأن الاتضاع يستطيع أن يفتح حتى القلوب المغلقة.. والناس قد يخافون من هو عال وكبير بينهم، ولكنهم يحبون من ينسي مركزة في محبتهم. أكتسب أذن محبة الناس لك لا خوفهم منك. ولا يكن هدفك أن يهابك الناس وإنما ان يحبوك. لا تطلب أن تكون فوق رؤوسهم، وإنما أطلب أن تكون داخل قلوبهم.
ولا تظن أن تواضعك للناس، يقلل من شأنك، بل على العكس انه يرفعك أكثر.. تذكر قول الشيخ الروحاني: (في كل موضع حللت فيه، كن صغير اخوتك وخديمهم).. وقد قال السيد المسيح: "من وضع نفسه يرتفع، ومن رفع نفسه يتضع".. وما أجمل تلك النصيحة التي وجهها الشيوخ الحكماء لرحبعام الملك ابن سليمان الحكيم حينما قالوا له: "إن صرت اليوم عبداً لهذا الشعب، واحببتهم وخدمتهم، يكونوا لك عبيداً كل الأيام"..
4- إن أردت أن يحبك الناس، اخدمهم، وساعدهم، وابذل نفسك عنهم.. اشعرهم بمحبتك بما تقدمه لهم من معونة ومن عطاء ومن بذل. أن الذين يحبون ذواتهم، يريدون باستمرار أن يأخذوا وأن ينالوا وأن يكسبوا. أما أنت فلا تكن كذلك. درب نفسك على البذل والاعطاء. لتكن علاقتك بالناس تهدف إلى مصلحتهم هم لا إلى مصلحتك أنت. انظر كيف تريحهم، وكيف تجلب السرور إلى قلوبهم، وتدخل الفرح إلى حياتهم.. بهذا يحبونك..
إن أكثر إنسان مكروه هو الشخص الأنانى، وأكثر إنسان محبوب هو الشخص الخدوم، الباذل المعطى.
لا تظن أن الطفل هو فقط الذي تعطيه فيحبك، بل حتى الكبير أيضاً.. الله نفسه علاقته مع الناس علاقة اعطاء وبذل، وكذلك الرسل.. الأم محبوبة جداً لأنها باستمرار تعطى وتبذل..
وإن لم يكن لك شيء تعطيه للناس، اعطهم ابتسامة لطيفة وكلمة طيبة. اعطهم حباً، اعطهم حناناً اعطهم كلمة تشجيع.. اعطهم قلبك.. اظهر لهم انك تريد، وانك مستعد، لكل تضحية من أجلهم..
5- و إن أردت أن يحبك الناس، قابلهم ببشاشة ولطف..
إن الشخص البشوش شخص محبوب.. الناس أيضاً يحبون الإنسان المرح والإنسان اللطيف، والإنسان الذي ينسيهم آلامهم ومتاعبهم بكلامه العذب وشخصيته المريحة.. لذلك حاول باستمرار أن تكون بشوشاً.. حتى في عمق متاعبك وضيقاتك إنس متاعبك لأجل الناس..
لا تكلم أحد وأنت مقطب الوجه صارم الملامح، إلا في الضرورة الحتمية لأجل الصالح. أما في غير ذلك فكن لطيفاً..
كلم الناس بكل أدب وذوق، لا تعبس وجهك..
6- إن إردت أن تكسب محبة الناس، لا تكن كثير الانتهار، أو كثير التوبيخ.. إن الكلمة القاسية موجعة تتعب الناس. والكلمة الجارحة قد تضيع المحبة وتبددها، فلا تكن كثير الانتهار.. إن أردت أن توجه لوماً أو نصيحة، فليكن ذلك بهدوء ووداعة وفى غير غلظة. ولا تشعر الناس بكثرة توبيخك أن تكرههم. وإن أردت أن تقول كلمة توبيخ، فلتسبقها عبارة تقدير أو عبارة مديح أو مقدمة لطيفة تمهد الجو لقبول التوبيخ. أو على الأقل تخير الألفاظ في توبيخك فلا يكن جارحاً مهيناً، ولا يكن أمام الناس حتى لا يشعر من توبخه بالذل والخزى.. كذلك لا توبخ على كل صغيرة وكبيرة وإنما على الأمور الهامة فقط، إذ لا يوجد إنسان يخلو من الزلل. ويمكنك أن توجه الناس دون أن تجرحهم. ولا توبخ كل أحد، لأن سليمان الحكيم يقول: "وبخ حكيماً يحبك، وبخ مستهزئاً يبغضك"..
وإذا انتقدت فلا تكن قاسياً في نقدك، إنما تكلم عن النقط الحسنة قبل أن تذكر السيئة. إذا انتقدت أحداً لا تحطمه بل كن رفيقاً به. وليكن هدف النقد هو البناء وليس الهدم..
7- وإن أردت أن يحبك الناس، دافع عنهم، وامدحهم..
حساس جداً هو القلب المسكين الذي يجد الكل ضده، ووسط هؤلاء يعثر على إنسان يدافع عنه. إنه يهبه كل قلبه.. لذلك دافع عن الناس، وبخاصة من تجده في مآزق أو من تجد الضغط شديداً عليه، أو من تراه مظلوماً أو في حاجة إلى من يدافع عنه..
وفى تعاملك مع الناس تذكر حسناتهم وانس سيئاتهم. وتأكد أن كل إنسان مهما كانت حياته مظلمة، لا بد ستجد فيه بعض نقط بيضاء تستوجب المديح.. ابحث عن هذه النقط البيضاء وامتدحها وابرزها واظهر له انك تعرفها وتقدرها. عندئذ سيحبك ويكون مستعداً لقبول توجيهك أو توبيخك بعد أن اظهرت له حبك..
لتكن ألفاظك بيضاء، حاول أن تكثر من ألفاظ المديح لمن يستحقها.. لا تكن شتاماً، ولا هداماً، ولا مستهزئاً، ولا متهكماً على الآخرين.. اضحك مع الناس، ولكن لا تضحك على الناس. اشعر كل أحد بتقديرك له، وأعلن هذا التقدير أمام الكل.. استفد من الخير الذي في الناس قبل أن تنقد الشر الذي فيهم. اعتبر أن الشر الذي في الناس دخيل عليهم، وواجبك أن تنقذهم منه لا أن تحطمهم بسببه.
8- وإن أردت أن يحبك الناس فلتكن إنساناً فاضلاً فيه الصفات المحببة إلى الناس.
لا تظن أن الناس يحبون عبثاً أو بلا مقابل، بل يحبون الشخص الذي تتركز فيه الصفات التي يحبونها.. يحبون الإنسان القديس، والإنسان الشجاع والإنسان الناجح والإنسان الذكى.. فلتكن فيك صفات جميلة.. عندئذ سيحبك الناس بسببها.. لذلك إن أردت أن يحبك الناس قوم نفسك أولاً..
أصلح العيوب التي فيك التي يكرهها الناس، عندئذ يحبك الناس..
إن واجهك أحد بعيب فلا تغضب، بل اختبر نفسك جيداً فربما يوجد هذا العيب فيك. حينئذ اشكر من وجهك إليه ولا تحزن منه..
9- و إن أردت أن يحبك الناس، احتمل الناس.
لا تنتقم لنفسك، ولا تقابل السيئة بمثلها، ولا تغضب على يسئ إليك.. كل إنسان له ضعفات فاحتمل الناس. لا تتضايق بسرعة، ولا تخسر الناس بسبب أخطائهم، بل اغفر لكل من يخطئ إليك.. وعندما يرجع لنفسه ويذكر احتمالك له ستزداد محبته لك.. وحتى الذين لا يرجعون لا تخسرهم أيضاً بل اذكر قول القديس يوحنا ذهبى الفم حينما قال: (من لا توفقك صداقته، فلا تتخذه لك عدواً).
10- و إن أردت أن يحبك الناس كن مخلصاً لهم، وكن حكيماً في إخلاصك.
عامل الناس بكل إخلاص، واحذر من أن تكون محبتك لهم ضارة بهم. بل لتكن محبتك في حكمة استخدم المديح ولكن لا تستخدم التملق ولا الرياء. واستخدم الحنو، ولكن ابعد عن التدليل الضار.. كن مخلصاً في حبك للناس، هدفك صالحهم وليس مجرد أن يحبوك.
والله المحب قادر أن يسكب المحبة في قلوبنا جميعاً لنحب بعضنا بعضاً كما أحبنا هو في قلبه الواسع الكبير.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق