الثلاثاء، 3 أغسطس 2010

في الهزيع الاخير(من كتاب رائحة المسيح الزكية لأبينا لوقا سيداروس

By
Amira Youssef


سيدة فاضلة تحيا هي وزوجها وأولادها حياة مسيحية، أسرة طيبة متدينة مواظبة على العبادة ومحبة للخدمة.. جاءتني يوما باكية تقول: لي جارة غيرمسيحية وهي مريضة مرض الموت، عندها سرطان وهي الآن في أيامها
الأخيرة . قلت لها مراحم الله واسعة، وجسد الإنسان مسكين وضعيف. قالت وكيف يعمل الإنسان في مثل هذه الظروف وهو محروم من المسيح .. من أين تأتيه تعزية وكيف يكون له رجاء وهو ليس له نصيب في المسيح!!

قالت لي السيدة الفاضلة: لكنها تود أن تراك.
قلت لها : من قال لك هذ ا؟ قالت: هي طلبت مني.

قلت: وهل تعرفني؟ قالت: نعم.
قلت: كيف؟ قالت لا أعلم ولكنها تعرفك بالإسم ..

قلت: لو تسنى لي وقت، أزورها.

ومضى أسبوع وكنت في مشغوليات كثيرة . قابلتني السيدة الفاضلة مرة أخرى تتوسل إليّ... لماذا لم تحضر؟ المريضة منتظرة بفارغ الصبر وحالتها إلى أسوأ. قلت لها: ماذا أصنع لها؟ أشعر أنني مكتوف الأيدي. كيف أزور بيت غير مسيحي؟ لماذا لم يحضر زوجها ليدعوني إلى بيته؟
قالت السيدة أن زوجها يعمل مدير قطاع في المحلة الكبرى وهو معظم الوقت
خارج المدينة. وهذه الأيام يحضر كل كام يوم .. ظروفه صعبة وهي ظروفها أصعب ... وعلى كل حال كانت تكلمني عن زيارتك وزوجها حاضر ولم يبد أي اعتراض بل قال أهلاً و سهلاً في أي وقت.

اضطررت تحت إلحاح هذه الأخت أن أذهب معها لزيارة جارتها. دخلنا المنزل وفتحت هذه الأخت باب شقة المريضة لأنها أعطتها مفتاح شقتها لأنها ملازمة الفراش ولا تقدر أن تفتح لأحد. ها أندلفنا إلى الداخل، حتى صدمت برائحة كريهة تنبعث من داخل الشقة. شيء لايطاق... تحاملت على نفسي ودخلت إلى الحجرة حيث كانت السيدة المريضة.

كانت سيدة في الخمسينات من عمرها . ورغم أنها طريحة الفراش ومريضة مرض الموت إلا أنها تبدو جميلة المنظر، وقد علمت أنه قد أُجريت لها منذ سنة عملية استئصال الثديين، وأنها عولجت بالأشعة
فاحترق جلدها، وأن رائحة النتن التي تملأ البيت تنبعث من جراحاتها

المتقيحة، وأنهم مهما سكبوا من روائح طيبة في المنزل أو على فراشها

فإن الرائحة النتنة تطغي ... شيء مؤلم للغاية
!
جلست إلى جوار فراش المريضة، سلمت عليها،
أخذت يدي تقبلها، وعيناها تدمع. تأثرت في نفسي، ورحت أكلمها عن مراحم الله وأن
ما يسمح به الله في حياة الناس من أمراض لابد أنه لخير الإنسان ... وأن القديسين تألموا وصبروا على الآلام وتكلمت عن تجربة أيوب الصديق في كلمات قليلة، وهي تنصت دون تعليق، فلا مجال لكثرة الكلام فهي في مرحلة متأخرة، ولكنها بكامل
انتباهها ووعيها.

انتظرت السيدة المريضة حتى انتهيت من كلماتي القليلة ثم استأذنت الأخت المسيحية وبنتها اللتان كانتا واقفتين قائلة : ممكن تتركوني مع أبونا وحدي لمدة دقائق؟ استجابت السيدتان للحال وخرجتا إلى خارج
الحجرة
.

أدارت السيدة وجهها نحوي ونظرت إلىّ نظرة عميقة، ثم انفجرت في بكاء ومرارة، لم أر في حياتي إنساًنا ينحصر في الحزن وهو في شدة مرضه مثلما رأيت في مثل هذه السيدة. كاد قلبي ينفطر وأنا أرى منظرها المؤلم ... لم يكن أمامي شيء أفعله، فأنا لا أ عرف سبب انفجارها في البكاء هكذا، حاولت أن أهدئها بكلمات تعزية، وهي تشهق بالبكاء،
وبالكاد نجحت أن أُسكتها وقلت لها تكلمي بدون بكاء لكي أفهم وأعرف

كيف أُجيبك
.

تمالكت المسكينة نفسها وقالت: "يا أبي أنا مسيحية، وقعت هذه الكلمات على نفسي كالصاعقة. ولكني أطرقت ببصري إلى الأرض وقلت: نعم. قالت أنا أخت الدكتور فلان (وهذا الدكتور أنا أعرفه من القاهرة).

كان عمرى 16 سنة، زوجني والدي لرجل لبناني ثري جدا يبلغ الخمسين من عمره . وكنت و قت ذاك فتاة صغيرة وجميلة ولم تكن ليّ خبرة في الحياة. وكان هذا الزواج غير موفق على الأطلاق بسبب الفوارق غير العادية في كل شيء، والتفت حولي بعض صديقات السوء من السيدات، شجعنني على ترك بيتي وهكذا، إلى أن تزرجت بزوجي المسلم هذا ... فعلت كل شيء في عدم إدراك . وكان هذا من أكثرمن ثلاثين سنة. ولكن ...
عادت تبكي بمرارة وتقول : لم يغب شخص يسوع عن نظري و قلبي

وحياتي ولم يغب صليبه عن ذهني. صدقني يا أبي ولا يوم واحد من أ يام

حياتي
. أنجبت ولدين عمدتهما سراً، وكنت أعلمهما منذ نعومة أظفارهما الحياة بالمسيح والإيمان به، وكبرا وتعلما وهما الآن بالخارج يعيشان حياة مسيحية فاضلة. وها أنا كما تراني طرحني المرض للموت، وكما ترى يا أبي ها أنا أنتن وأنا بعد حية ... يا ويحي، يا شقاوتي... أنا أستحق أكثر من هذا ... أنا تنكرت لإيماني ... أنا جحدت مسيحي.

والحق يقال أنني في تلك اللحظات القليلة أصبحت أمام قصة توبة فريدة من نوعها .. فهذا هو الهزيع الأخير... ولكن إلهنا يخلص ويحيي من الموت ماقد هلك.

عادت السيدة تسألني بنفس كسيرة هل بعد كل هذا يوجد رجاء؟

سرت في نفسي قشعريرة رهيبة وانبرى لساني ينطق بكلمات رجاء وقوة لم أنطقها في حياتي. تمثلت شخص مخلصنا الصالح وهو يفدي غنمة صغيرة من فم الأسد. كاد يبتلعها، بل قد مضى زمان الافتقاد وها هي على حافة الهاوية. ولكن مبارك الله "الذى يخلص نفسي من الموت وعينيّ من الدموع ورجليّ من الزلل".

قلت: إن مخلص اللص اليمين قائم وحاضر وقادر، ومبرر الفجارقائم من الأموات وأن خطايانا مهما تعاظمت لا تقوى على الوجود، إن نحن التجأنا بإيمان وتوبة للقادر أن يخّلص إلى التمام . وبمثل هذا الكلام كنت أعزيها.

أشرق وجهها بنور رجاء ... وكانت عيناها تسح دموعًا كالنهر . ولكن وجهها كان مرتاحًا وملامحها تغيرت كمن أشرق عليها الشمس.
قالت متسائلة بنبرة عجيبة : أنا أثق في كل كلمة قلتها ليّ أن الرب يقبلني. فهل تناولني ما حرمت منه أكثر من ثلاثين سنة؟ قلت لها بكل تأكيد. قالت: ضع صليبك عليّ وحاللني. وقفت لأصلي التحليل، ولم

أتمالك نفسي من البكاء ... وانصرفت على أن أعود إليها في
الغد لكي
أناولها
.

أسرعت إلى أبينا بيشوي كامل... أخبرته بكل شيء، ملك علينا التأثر، وأخبرته عما فعلت وعما وعدتها به من أجل التناول.. قال ليً أبونا بيشوي دعنا نصلي لكي يمد الله في أجلها إلى الغد حتى تتناول فتتعزى نفسها وترقد على الرجاء . وقد كان ... صليت قداسا في الصباح الباكر وذهبت مع الأخت المسيحية وهي منذهلة ماذا حدث؟ وألف سؤال
يدور في رأسها. دخلنا إلى السيدة ... شكرت المسيح أيما شكر
إذ وجدتها منتظرة، متيقظة، عندما دخلت حجرتها أغمضت عينيها وبكل ما ملكت من قوة قالت مبارك الآتي باسم الرب. صليت وناولتها ولم أر في حياتي هذا الفرح في أحد يتناول
.
لا أنسى ذلك اليوم ما حييت وكأن هذه الساعة لم تكن من ساعات هذا العالم، بل هي حًقا يوم من أيام السماء على الأرض
.
فرح الرب بخروفه الضال شييء ر هيب لا يُعبرعنه، بل هو يدعو من في السماء ومن على الأرض يقول : "افرحوا معي فقد وجدت خروفي الضال
".

مررت بنفس الشارع بالليل وجدت سرادق مقام للعزاء ومقرئين وزحمة من الناس فالرجل زوجها يشغل منصبًا كبيرًا. قلت في نفسي إن التراب للتراب أما النفس المفدية فقد انطلقت مفداة مخلصة منقذة من جميع
الخطايا ... ولا علاقة لما يعمله الناس أو فكر الناس، بعمل الله وفكر الله
.

خطر على بالي قول الرب "دع الموتى يدفنون موتاهم، أما أنت فاذهب وبشر بملكوت الله"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق